Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 6-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر { كيلا تكون } بالتاء { دولة } بالرفع أضاف الفعل إلى { دولة } . الباقون بالياء { دولة } نصب أرادوا الفيء والمال . قوله { وما أفاء الله على رسوله منهم } يعني من اليهود الذين أجلاهم من بني النضير ، وإن كان الحكم سارياً فى جميع الكفار إذا كان حكمهم ، فالفيء ردّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك ، على ما شرط فيه ، يقال : فاء بفيء فيئاً إذا رجع وأفأته عليه إذا رددته عليه . وقال عمر بن الخطاب ومعمر : مال الفيء هو مال الجزية والخراج . والفيء كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين ، سواء كان غنيمة او غير غنيمة ، فالغنيمة ما اخذ بالسيف ، فأربعة أخماسه للمقاتلة وخمسه للذين ذكرهم الله فى قوله { واعلموا أنما غنمتم … } الآية . وقال كثير من العلماء : ان الفيء المذكور فى هذه الآية هو الغنيمة . وقال قوم : مال الفيء خلاف مال الصدقات ، لأن مال الفيء اوسع ، فانه يجوز ان يصرف فى مصالح المسلمين ، ومال الصدقات إنما هو فى الاصناف الثمانية . وقال قوم : مال الفيء يأخذ منه الفقراء من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله باجماع الصحابة فى زمن عمر ابن الخطاب ، ولم يخالفه فيه احد إلا الشافعي ، فانه قال : يأخذ منه الفقراء والاغنياء ، وإنما ذكروا فى الآية لانهم منعوا الصدقة ، فبين الله أن لهم فى مال الفيء حقاً . وقال عمر بن الخطاب : مال بني النضير كان فيأ لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة { ولذي القربى } قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وبني عبد المطلب . وقيل : جعل ابو بكر وعمر سهمين : سهم رسوله وسهم قرابته من الاغنياء في سبيل الله ، وصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكره قتادة . والباقي في اهل الحاجة من اطفال المسلمين الذين لا أبالهم ، وابن السبيل المنقطع به من المسافرين في غير معصية الله . وقال يزيد ابن رومان : الغنيمة ما أخذ من دار الحرب بالقتال عنوة . وقيل : كانت الغنائم في صدر الاسلام لهؤلاء الاصناف . ثم نسخ بما ذكره في سورة الانفال : بالخمس . والباقي للمحاربين - ذكره قتادة - . والذي نذهب اليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة ، فالغنيمة كل ما اخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاسلام ، وما لا يمكن نقله إلى دار الاسلام ، فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الامام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين . والفيء كل ما اخذ من الكفار بغير قتال او انجلاء اهلها وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يضعه في المذكورين في هذه الآية ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين . وقد بين الله تعالى ذلك . ومال بني النضير كان للنبي خاصة ، وقد بينه الله بقوله { وما أفاء الله } يعني ما رجعه الله ورده { على رسوله منهم } يعني من بني النضير . ثم بين فقال { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أي لم توجفوا على ذلك بخيل ولا ركاب . والايجاف الايقاع ، وهو تسيير الخيل والركاب وهو من وجف يجف وجيفاً ، وهو تحرك باضطراب ، فالايجاف الازعاج للسير ، والركاب الابل { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } من عباده حتى يقهروهم ويأخذوا ما لهم { والله على كل شيء قدير } . ثم قال مبيناً من استحق ذلك ، فقال { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } يعني بني النضير { فلله وللرسول ولذي القربى } يعني اهل بيت رسول الله { واليتامى والمساكين وابن السبيل } من أهل بيت رسول الله لان تقديره ولذي قرباه ويتامى أهل بيته ، وابن سبيلهم ، لان الألف واللام تعاقب الضمير ، وظاهره يقتضي أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء او فقراء . ثم بين لم فعل ذلك فقال { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فالدولة - بضم الدال - نقلة النعمة من قوم إلى قوم وبفتح الدال المرة من الاستيلاء والغلبة . ثم قال { وما أتاكم الرسول فخذوه } أي ما اعطاكم رسوله من الفيء فخذوه وارضوا به . وما أمركم به فافعلوه { وما نهاكم عنه فانتهوا } عنه فانه لا يأمر ولا ينهى إلا عن أمر الله . ثم قال { واتقوا الله } فى ترك معاصيه وفعل طاعاته { إن الله شديد العقاب } لمن عصاه وترك أوامره . ثم قال { للفقراء } يعني الذين لا مال لهم { المهاجرين } الذين هاجروا من مكة إلى المدينة او هاجروا من دار الحرب إلى دار الاسلام { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } الذي كان لهم بمكة فأخرجوا منها { يبتغون فضلا } أي طالبين بذلك فضلا { من الله ورضواناً } فالجملة فى موضع الحال { وينصرون الله ورسوله } يعني ناصرين لدين الله ورسوله { أولئك هم الصادقون } عند الله فى الحقيقة العظيموا المنزلة لديه . وقيل : تقدير الآية { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } بل للفقراء المهاجرين . ثم وصف الانصار فقال { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } أي جعلوا ديارهم موضع مقامهم وآمنوا بالله من قبلهم نزلت فى الانصار ، فانهم نزلوا المدينة قبل نزول المهاجرين . وقيل ان كان من نزل بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله فهو من الانصار . وقوله { والإيمان من قبلهم } يعني إن الانصار آمنوا قبل هجرة المهاجرين وإن كان فى المهاجرين من آمن قبل إيمان الانصار { يحبون من هاجر إليهم } من اهل مكة { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } قال الحسن يعني حسداً ، قال الزجاج : معناه لا تجد الانصار فى نفوسهم حاجة مما يعطون المهاجرين . وقال البلخي : لا يجدون حاجة فى نفوسهم مما يؤتون المهاجرين من الفضل فى الدين ، وقال الطبري : معناه لا يجدون فى نفوسهم حاجة فيما أعطي المهاجرين من مال بني النضير ، فان النبي خص به المهاجرين إلا رجلين من الانصار : أباد دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف أعطاهما لفقرهما . وإنما فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك لان مال بني النضير كان له خاصة . والمهاجرين بهم حاجة خصهم بذلك . والانصار كانوا فى غنى فرضوا بذلك ، ومدحهم الله على ذلك - ذكره ابن زيد - . وقوله { ويؤثرون على أنفسهم } أي يختارون على أنفسهم من يولونه من ما لهم من المهاجرين { ولو كان بهم خصاصة } يعني حاجة . والخصاصة الحاجة التي يختل بها الحال . والخصاص الفرج التي يتخللها البصر ، والواحد خصاص . قال الراجز : @ والناظرات من خصاص لمحا @@ وأصله الاختصاص بالانفراد بالامر والخصاص الانفراد عما يحتاج اليه والخصوص الانفراد ببعض ما وضع له الاسم ، والخص إنفراد كل قصبة من أختها فى الاشراج ، والخاصة إنفراد المعنى بما يقوله دون غيره . وقوله { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } أي من منع شح نفسه . والشح والبخل واحد . وفى أسماء الدين هو منع الواجب { فأولئك هم المفلحون } يعني المنجحين الفائزين بثواب الله ونعيم جنته . ثم قال { والذين جاءو من بعدهم } يعني بعد المهاجرين والانصار ، وهم جميع التابعين لهم إلى يوم القيامة - فى قول الحسن - وهو كل من أسلم بعد العصر الأول . وقال الأصم : يعني من جاءك من المهاجرين أي بعد انقطاع الهجرة وبعد إيمان الانصار { يقولون ربنا } الجملة فى موضع الحال ، وتقديره قائلين { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً } أي حقداً وغشاً { للذين آمنوا } ويقولون { ربنا إنك رؤف رحيم } أي متعطف على عبادك منعم عليهم . وقسمة الغنيمة عندنا للفارس سهمان وللراجل سهم . وقال قوم : للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم إلا ما كان من الارض والاشجار ، فانه للامام أن يقسمها إن شاء ، وله ان يجعلها أرض الخراج ويردها إلى من كانت في أيديهم قبل ، على هذا الوصف بحسب ما يرى ، كما فعل عمر بأرض السواد . وقيل : إن النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة عنوة ولم يقسم أرضها بين المقاتلة . وقال قوم : فتحها سلماً . وقسم كثيراً من غنائم حنين في المؤلفة قلوبهم دون المقاتلة حتى وقع من نفر من الانصار فى ذلك ما وقع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " اما ترضون ان يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله " ، فرضوا وسلموالله ورسوله في قصة مشهورة .