Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وابو عمرو { من وراء جدار } على التوحيد . الباقون { جدر } على الجمع . لما وصف الله تعالى المهاجرين الذين هاجروا من مكة وما لهم من الفضل ، وذكر الانصار وما لهم من جزيل الثواب ، وذكر التابعين باحسان وما يستحقونه من النعيم في الجنان ، ذكر المنافقين وما يستحقونه وما هم عليه من الاوصاف . فقال { ألم تر } يا محمد { إلى الذين نافقوا } فأظهروا الايمان وأبطنوا الكفر { يقولون لإخوانهم } في الكفر وهم { الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني يهود بني النضير { لئن أخرجتم } من بلادكم { لنخرجن معكم } مساعدين لكم { ولا نطيع فيكم أحداً أبداً } يعني في قتالكم ومخاصمتكم { ولئن قوتلتم } معاشر بني النضير { لننصرنكم } ولندفعن عنكم . فقال الله تعالى { والله يشهد إنهم لكاذبون } فيما يقولونه في مساعدتهم والخروج معهم والدفاع عنهم . وظاهره يدل على انهم لم يخبروا عن ظنهم ، لانهم لو اخبروا عن ظنهم وعن نيتهم لما كانوا كاذبين . ويحتمل : ان يكونوا كاذبين في العزم ايضاً بأن يقولوا إنهم عازمون ولا يكونوا كذلك . ثم قال تعالى { لئن أخرجوا } يعني بني النضير { لا يخرجون معهم } يعني المنافقون الذين قالوا لهم إنا نخرج معكم { ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار } أي ينهزمون ويسلمونهم { ثم لا ينصرون } الجميع ، وقال الزجاج : فيه وجهان : احدهما - إنهم لو تعاطوا نصرهم . الثاني - ولئن نصرهم من بقي منهم لولوا الأدبار ، فعلى هذا لا ينافي قوله { لا ينصرونهم } قوله { ولئن نصروهم } . ثم خاطب المؤمنين ، فقال { لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله } أي أنتم أشد خوفاً في قلوب هؤلاء المنافقين يخافونكم ما لا يخافون الله { ذلك بأنهم قوم لا يفقهون } أي لانهم قوم لا يفقهون الحق ولا يعرفونه ولا يعرفون معاني صفات الله ، فالفقه العلم بمفهوم الكلام في ظاهره ومتضمنه عند إدراكه ، ويتفاضل أحوال الناس فيه . وقيل : إن المنافقين الذين نزلت فيهم هذه الآية عبد الله بن ابي سلول وجماعة معه بعثوا إلى بني النضير بهذه الرسالة - ذكره ابن عباس ومجاهد - ثم عاد تعالى إلى ذكر الخبر عن أحوال بني النضير ، فقال { لا يقاتلونكم } معاشر المؤمنين { إلا في قرى محصنة } يعني ممتنعة جعل عليها حصون { أو من وراء جدر } أى من وراء الحيطان ، فالجدار الحائط . فمن قرأ على التوحيد فلأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير ، ومن قرأ على الجمع ، فلاختلاف الجدران . ثم قال { بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى } معناه عداوة بعض هؤلاء اليهود لبعض شديدة وقلوبهم شتى بمعاداة بعضهم لبعض أى ظاهرهم على كلمة واحدة وهم متفرقون في الباطن { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } يعنى ما فيه الرشد مما فيه الغي . وقال مجاهد { وقلوبهم شتى } يعني المنافقين وأهل الكتاب ، وإنما كان قلوب من يعمل بخلاف العقل شتى لاختلاف دواعيهم وأهوائهم ، وداعي الحق واحد ، وهو داعي العقل الذى يدعو إلى طاعة الله والاحسان في الفعل . وقوله { كمثل الذين من قبلهم قريباً } معناه مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع - في قول ابن عباس - وقال مجاهد : هم مشركوا قريش ببدر - { ذاقوا وبال أمرهم } من الشرك والكفر بالله فان عاقبة أمرهم كان القتل او الجلاء وفي الآية دلالة على النبوة من جهة علم الغيب الذى لا يعلمه إلا الله تعالى وقوله { ولئن نصروهم ليولن الأدبار } جاء على تقدير المستقبل كما يجيء في الماضي بـ ( لو ) لتبين خورهم وضعف قلوبهم ، واللام في قوله { لئن أخرجوا } و { لئن قوتلوا } و { لئن نصروهم } كلها لام القسم . واللام في قوله { ليولن الأدبار } جواب القسم .