Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 96-96)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أهل الكوفة { جعل الليل } على الفعل . الباقون " جاعل " على الفاعل . من قرأ " جاعل " على وزن فاعل فلأن قبله اسم فاعل ، وهو قوله : { فالق الحب والنوى … } و { فالق الإصباح } فقرأ { وجاعل الليل } ليكون ( فاعل ) المعطوف على ( فاعل ) المعطوف عليه ، فيكون متشاكلاً ، لان من حكم الاسم ان يعطف على اسم مثله ، لانه به أشبه من الفعل بالاسم ، وهذه المشاكلة مراعاة في كلام العرب ، ومثله { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } وقوله { يدخل من يشاء في رحمته والظالمين } وقوله { وكلاً ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا } نصبوا هذا كله ليكون القاريء بنصبها كالعاطف جملة من فعل وفاعل على جملة من فعل وفاعل ، فكما أن الفعل أشبه من المبتدأ بالفعل ، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم ، ويقوي ذلك قول الشاعر : @ للبس عباءة وتقر عيني أحب الي من لبس الشفوف @@ ومن قرأ { وجعل } فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى الماضي ، فلما كان ( فاعل ) بمعنى ( فعل ) في المعنى عطف عليه بالفعل لموافقته له في المعنى ويدلك على أنه بمنزلة ( فعل ) أنه نزل منزلته فيما عطف عليه ، وهو قوله { والشمس والقمر حسبانا } ألا ترى أنه لما كان المعنى ( فعل ) حمل المعطوف على ذلك فنصب الشمس والقمر على ( فعل ) لما كان فاعل كفعل . ويقوي ذلك قولهم : هذا معطي زيد درهما أمس ، فالدرهم محمولا على ( اعطى ) ، لان اسم الفاعل اذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل ، فاذا جعل ( معطي ) بمنزلة ( أعطى ) كذلك جعل ( فالق ) بمنزلة ( فلق ) لان اسم الفاعل لما مضى ، فعطف على ( فعل ) لما كان بمنزلته ، ولا يجوز حمل ( جاعل ) على الليل ، لان اسم الفاعل اذا كان لما مضى لا يعمل عمل الفعل ، وقد أجازه بعض الكوفيين . معنى قوله { فالق الإصباح } أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل ، وذلك دال على القدرة العجيبة التي لا يقدر عليها غير الله ، ويحتمل أن يكون معناه خالقه على ما حكيناه عن الضحاك وذكره الزجاج ، ورفع { فالق } لانه خبر عن الله تعالى بعد خبر كأنه قال { إن الله فالق الحب والنوى } فالق الاصباح . ويحتمل أن يكون خبر أبتداء محذوف ، فكأنه قال : هو فالق الاصباح . والاصباح مصدر أصبحنا إِصباحاً ، والمراد أصبح كل يوم ، فهو في معنى الاصباح . وروي عن الحسن أنه قرأ { فالق الإصباح } بفتح الالف وما قرأ به غيره . ومعنى { وجاعل الليل سكنا } أي تسكنون فيه وتتودعون فيه ، وهو قول مجاهد والضحاك وقتادة وابن عباس وأكثر المفسرين . وروي عن ابن عباس أن معناه ، خالق الليل والنهار . وقوله { والشمس والقمر حسبانا } نصبهما عطفا على موضع الليل ، لان موضعه النصب بأنه مفعول جاعل . واختلفوا في معناه ، فقال ابن عباس والسدي والربيع وقتادة ، ومجاهد والجبائي : إِنهما يجريان في أفلاكهما بحساب ، تقطع الشمس الفلك في سنة ويقطعه القمر في شهر قدّره الله تعالى به ، فهو قوله { والشمس والقمر بحسبان } وقوله : { وكل في فلك يسبحون } وقال قتادة معناه انه جعل الشمس والقمر ضياء . والاول أجود لان الله تعالى ذكر بمثل هذا من اياديه عند خلقه وعظيم سلطانه بفلقه الاصباح لهم واخراج النبات والغراس من الحب والنوى ، وعقب ذلك بذكر خلق النجوم للاهتداء بها في البر والبحر ، وكان وصفه اجراء الشمس والقمر بمنافعهم أشبه ، وأنها تجري بحسبان ما يحتاج الخلق اليه في معائشهم ومعاملاتهم : أما الشمس فللزرع والحرث ، واما القمر فللمواعيد وآجال الديون في المعاملات ، وفيها منافع لا يعرف تفصيلها الا الله تعالى ، لانه قال { فالق الإصباح } ذكر الضياء ولا معنى لتكريره دفعة ثانية . والحسبان جمع حساب على وزن شهبان وشهاب . وقيل في هذا الموضع انه مصدر حسبت الحساب أحسبه حسابا . وحكي عن بعض العرب على ذلك حسبان فلان وحسبته أي حسابه . والحسبان - بكسر الحاء - جمع حسبانة ، وهي وسادة صغيرة . ونصب حسبانا على تقدير بحسبان ، فلما حذف الباء نصبه . وقال قوم : هو نصب لقوله { وجعل } . وقوله : { ذلك تقدير العزيز العليم } أي هذا الذي وصفه بأنه فعله من فلقه الاصباح ، وجعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا ، تقدير الذي عز سلطانه فلا يقدر أحد أراده بسوء او عقاب او انتقام على الامتناع منه العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم ، لا تقدير الاصنام والاوثاق التي لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه شيئا ولا تعقل .