Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-14)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر { تنجيكم من عذاب أليم } مشددة الجيم . الباقون بالتخفيف وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابو جعفر { أنصاراً لله } منوناً . الباقون بالاضافة لقولهم فى الجواب { نحن أنصار الله } وقرأ نافع وحده { أنصاري إلى الله } بفتح الياء . الباقون باسكانها وهما جميعاً جيدان . يقول الله تعالى مخاطباً للمؤمنين { يا أيها الذين آمنوا } بالله واعترفوا بتوحيده وإخلاص عبادته وصدقوا رسوله { هل أدلكم على تجارة } صورته صورة العرض والمراد به الامر . والتجارة طلب الربح فى شراء المتاع . وقيل لطلب الثواب بعمل الطاعة تجارة تشبيهاً بذلك ، لما بينهما من المقاربة { تنجيكم } أي تخلصكم { من عذاب أليم } أي مؤلم ، وهو عذاب النار . ثم فسر تلك التجارة فقال { تؤمنون بالله ورسوله } أي تعترفون بتوحيد الله وتخلصون العبادة له وتصدقون رسوله فيما يؤديه اليكم عن الله . وإنما قال { تؤمنون } مع أنه قال { يا أيها الذين آمنوا } لان ذلك جار مجرى قوله { يا أيها الذين آمنوا آمنوا } وقد بيناه فيما مضى { وتجاهدون في سبيل الله } يعني قتال اعدائه الكفار { بأموالكم } فتنفقونها فى ذلك { وأنفسكم } فتحاربون بنفوسكم . ثم قال { ذلكم خير لكم } أي ما ذكرته لكم ووصفته أنفع لكم وخير عاقبة إن علمتم ذلك واعترفتم بصحته . وإنما قال { ذلكم خير لكم } مع أن تركه قبيح ومعصية لله ، لان المعنى ذلكم خير لكم من رفعه عنكم ، لان ما أدى إلى الثواب خير من رفعه إلى نعيم ليس بثواب من الله تعالى . والتكليف خير من رفعه إلى الابتداء بالنعم لكل من عمل بموجبه ، وقيل : إيمانكم بالله خير لكم من تضييعه بالمشتهى من أفعالكم { إن كنتم تعلمون } مضار الاشياء ومنافعها وإنما جاز { تؤمنون بالله } مع أنه محمول على التجارة وخبر عنها ، ولا يصلح أن يقال التجارة تؤمنون . وإنما يقال التجارة أن تؤمنوا بالله ، لانه على طريق ما يدل على خبر التجارة لا على نفس الخبر إذ الفعل يدل على مصدره وانعقاده بالتجارة فى المعنى لا في اللفظ . وفى ذلك توطئة لما بنى على المعنى من الايجاز . والعرب تقول : هل لك فى خير تقدم إلى فلان ، فتعوده وأن تقدم اليه . وقوله { يغفر لكم ذنوبكم } أي متى فعلتم ذلك ستر عليكم ذنوبكم ، وجزمه لانه جواب { تؤمنون } لأنه فى معنى آمنوا يغفر لكم . وقال الفراء : هو جواب ( هل ) وإنما جاز جزم { يغفر لكم } لانه جواب الاستفهام . والمعنى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم يعلمكم بها ، فانكم إن عملتم بها يغفر لكم ذنوبكم وكان ابو عمرو يدغم الراء فى اللام فى قوله { يغفر لكم } ولا يجوز ذلك عند الخليل وسيبويه ، لان فى الراء تكرار ، ولذلك غلبت المستعلي فى طارد . { ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } عطف على قوله { يغفر لكم } فلذلك جزمه { خالدين فيها } أي مؤبدين { ومساكن طيبة } أي ولهم فى الجنة مساكن طيبة مستلذة { في جنات عدن } أي في بساتين إقامة مؤبدة . ثم قال { ذلك الفوز العظيم } يعني الذي وصفه من النعيم هو الفلاح العظيم الذي لا يوازيه نعمة . وقيل : الفوز النجاة من الهلاك الى النعيم . وقوله { وأخرى تحبونها } معناه ولكم خصلة أخرى مع ثواب الآخرة { نصر من الله } في الدنيا عليهم { وفتح قريب } لبلادهم . ثم قال { وبشر المؤمنين } بذلك أي بما ذكرته من النعيم والنصر في الدنيا والفتح القريب . ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله } ومعناه كونوا أنصار دين الله الذي هو الاسلام بأن تدفعوا اعداءه عنه وعن دينه الذي جاء به { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين } أى مثلكم مثل قول عيسى للحواريين ، وهم خاصته ، وسمي خاصة الانبياء حواريين ، لانهم أخلصوا من كل عيب - في قول الزجاج - وقيل : سموا حواريين لبياض ثيابهم . وقال ابن عباس : كانوا صيادين للسمك . وقال الضحاك : كانوا غسالين . وقوله { من أنصاري إلى الله } يعني من أنصاري مع الله ، و ( إلى ) تكون بمعنى ( مع ) ومثله { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } يعني مع أموالكم . وقيل سمي النصارى نصارى لقولهم { نحن أنصار الله } وقيل : لانهم كانوا من الناصرة وهي قرية في بلاد الروم ، فأجابه الحواريون بأن قالوا { نحن أنصار الله } وإنما قيل لهم { كونوا أنصار الله } مع أن المراد به دين الله ، تعظيماً للدين وتشريفاً له . كما يقال الكعبة بيت الله ، وحمزة اسد الله ، وما أشبه ذلك { فآمنت طائفة من بني إسرائيل } يعني صدقت بعيسى عليه السلام طائفة من بني اسرائيل { وكفرت } به { طائفة } اخرى { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } أى قوينا المؤمنين على عدوهم { فأصبحوا ظاهرين } أى غالبين لهم وقال ابراهيم : معناه أيد الذين آمنوا بعيسى بمحمد ، فاصبحوا ظاهرين عليهم . وقال مجاهد : بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عليه السلام وقال بعضهم الم يكن من المسيح قتال . والتأويل أنهم أصبحوا ظاهرين على مخالفيهم بالحجة . وقال قوم : كانت الحرب بعد المسيح لما اختلف أصحابه اقتتلوا فظفر أهل الحق ، وهذا ضعيف ، لأنه لم يكن من دينهم بعده القتال . وقال ابن عباس قاتلوا ليلا فاصبحوا ظاهرين .