Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 6-11)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا أمر من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله أن يخاطب اليهود ، فيقول لهم { إن زعمتم أنكم أولياء لله } فالزعم قول عن ظن او علم ، ولهذا صارت من أخوات ( ظن ) فى الظن والعلم وعملت ذلك العمل من الاعراب قال الشاعر : @ فان تزعميني كنت أجهل فيكم فأني شريت الحلم بعدك بالجهل @@ والاولياء جمع ولي ، وهو الحقيق بالنصرة التي يوليها عند الحاجة ، فالله ولي المؤمنين ، لأنه يوليهم النصرة عند حاجتهم . والمؤمن ولي الله لهذه العلة . ويجوز أن يكون لأنه يولي المطيع له بنصرته عند حاجته ، فقال الله لهؤلاء اليهود : إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم انصار الله وأن الله ينصركم { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } فى ادعائكم أنكم أولياؤه دون الناس ، فالتمني هو قول القائل - لما كان - ليته لم يكن ، ولما لم يكن : ليته كان . وهو من صفات الكلام . وقال بعضهم : هو معنى فى النفس . ثم اخبر تعالى عن حالهم وكذبهم واضطرابهم فى دعواهم ، وانهم غير واثقين بما يدّعونه فقال { ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم } ومعناه لا يتمنون الموت أبداً فيما بعد { بما قدمت أيديهم } مما لا يرجعون فيه إلى ثقة من التكذيب بالنبي صلى الله عليه وآله والتحريف لصفته فى التوراة { والله عليم بالظالمين } أي عالم بأحوالهم وافعالهم ، لا يخفى عليه شيء منها . وفى الاية دليل على النبوة لأنه اخبر بأنهم لا يتمنون الموت ابداً ، وما تمنوه فكان ذلك اخباراً بالصدق قبل كون الشيء ، وذلك لا يعلمه ، إلا الله تعالى . وفيها بطلان ما ادعوه من انهم أولياء الله . ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { قل } لهم { إن الموت الذي تفرون منه } أي تهربون منه { فإنه ملاقيكم } وإنما قال { فإنه } بالفاء ، وسواء فروا منه او لم يفروا منه فانه ملاقيهم ، مبالغة فى الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه لانه إذا كان الفرار منه بمنزلة السبب فى ملاقاته فلا معنى للتعرض له لانه لا يباعد منه قال زهير : @ ومن هاب اسباب المنايا ينلنه ولو رام أن يرقى السماء بسلم @@ وهن ينلنه هابها او لم يهبها ، ولكنه إذا كانت هيبته بمنزلة السبب للمنية كان لا معنى للهيبة ، وقال قوم : تقديره قل إن الموت هو الذي تفرون منه فجعلوا { الذي } فى موضع الخبر لا صلة . ويكون { فإنه } مستأنف . وقوله { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة } معناه ثم ترجعون الى الله تعالى يوم القيامة الذي يعلم سركم وعلانيتكم وظاهركم وباطنكم ، لا يخفى عليه شيء من أحوالكم { فينبئكم } أي يخبركم { بما كنتم تعملون } فى دار الدنيا ويجازيكم بحسبها على الطاعة بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب ، ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } معناه إذا سمعتم ، أذان يوم الجمعة فامضوا إلى الصلاة . قال قتادة : معناه امضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين وبه قال ابن زيد والضحاك . وقال الزجاج : المعنى فامضوا إلى السعي الذي هو الاسراع قال وقرأ ابن مسعود { فامضوا } إلى ذكر الله ثم قال : لو علمت الاسراع لأسرعت حتى يقع ردائي عن كتفي . قال : وكذلك كان يقرأ { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى } يريد مضى فيه دون الاسراع . ومثله قوله { إن سعيكم لشتى } وفرض الجمعة لازم على جميع المكلفين إلا صاحب العذر : من سفر او مرض او عمى او عرج او آفة وغير ذلك . وعند اجتماع شروط وهي : كون سلطان عادل او من نصبه السلطان للصلاة ، وتكامل العدد - عندنا - سبعة ، وعند قوم اربعين . وعند آخرين أربعة ، وثلاثة . وقد بينا الخلاف فى ذلك فى ( خلاف الفقهاء ) . وظاهر الآية متوجه إلى المؤمنين وإنما يدخل فيه الفاسق على التغليب ، كما يغلب المذكر على المؤنث ، هذا على قول من يقول إن الفاسق ليس بمؤمن . فأما من قال : إنه مؤمن مع كونه فاسقاً ، فالآية متوجهة اليهم كلهم . وقال مجاهد وسعيد ابن المسيب : المراد بالذكر موعظة الامام فى خطبته . وقال غيرهما : يعني الصلاة التي فيها ذكر الله . وقوله { وذروا البيع } معناه إذا دخل وقت الصلاة اتركوا البيع والشراء . قال الضحاك : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء . وقال الحسن : كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فانه بيع حرام ، لا يجوز ، وهو الذي يقتضيه ظاهر مذهبنا ، لان النهي يدل على فساد المنهي عنه . ثم قال { ذلكم } يعني ما ذكره من السعي الى الصلاة { خير لكم } فى دينكم وانفع لكم عاقبة { إن كنتم تعلمون } صحة ما قلناه أي اعلموه . وقوله تعالى { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } أي إذا صليتم الجمعة فانتشروا فى الأرض طلباً لرزق الله . وصورته صورة الأمر وهو إباحة وإذن ورخصة - فى قول الحسن والضحاك وابن زيد وغيره - { وابتغوا من فضل الله } أي اطلبوا من فضل الله بعمل الطاعة والدعاء به { واذكروا الله كثيراً } يا محمد على إحسانه وبالشكر على نعمه والتعظيم لصفاته { لعلكم تفلحون } ومعناه لتفلحوا وتفوزوا بثواب النعيم . ثم اخبر تعالى عن حال جماعة كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وهو يخطب وهم معه يصلي بهم ، فقال { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } قال جابر بن عبد الله والحسن : قدم عير لدحية الكلبي فيها طعام المدينة بعدما أصابتهم مجاعة ، فاستقبلوه باللهو والمزامير والطبول - فى قول جابر بن عبد الله ومجاهد - وكانوا مع النبي صلى الله عليه وآله فى الصلاة فلما سمعوا صوت الطبول والمزامير { انفضوا } أي تفرقوا إلى العير يبصرونه وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وحده قائماً ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهم يا محمد { ما عند الله } من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة { خير من اللهو ومن التجارة } وانفع واحمد عاقبة { والله خير الرازقين } أى ليس يفوتهم بترك البيع شيء من رزق الله ، والتقدير وإذا رأوا تجارة او لهواً انفضوا اليها وتركوك أى اليه ، وإنما قيل { إليها } لانها كانت أهم اليهم ، ذكره الفراء . وقيل : تقديره وإذا رأوا لهواً او تجارة انفضوا اليها ، فرد الضمير الى اقرب المذكورين ، لأنه كان أهم اليهم ، وكذلك قرأ ابن مسعود فى مصحفه .