Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو وحده { وأكون } بالواو ، الباقون { وأكن } وفى المصاحف بلا واو فقيل لابي عمرو : لم سقطت من المصاحف ؟ . فقال كما كتبوا : { كلهن } وقرأ يحيى عن أبي بكر { يعملون } بالياء ، الباقون بالتاء . ومن قرأ بالياء فعلى الخبر ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب . لما اخبر الله تعالى عن حال المنافقين ، وانه { إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله } حركوا رؤسهم استهزاء بهذا القول ، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } أي يتساوى الاستغفار لهم وعدم الاستغفار { فلن يغفر الله لهم } لانهم يبطنون الكفر وإن اظهروا الايمان ، وبين انه تعالى { لا يهدي القوم الفاسقين } الى طريق الجنة ، فلهذا يجب ان ييأسوا من المغفرة بالاستغفار . وقال الحسن : اخبر الله تعالى أنهم يموتون على النفاق ، فلم يستغفر لهم بعد . وقيل : المعنى لا يحكم الله بهدايتهم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة وأن يكون باطن المستغفر له مثل ظاهره ، فبين بها أن ذلك لا ينفع مع ابطانهم الكفر والنفاق . ثم حكى تعالى عنهم فقال { هم الذين يقولون } يعني بعضهم لبعض لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وآله من المؤمنين المحتاجين { حتى ينفضوا } عنه ومعناه حتى يتفرقوا عنه لفقرهم وحاجتهم . والانفضاض التفرق ، وفض الكتاب إذا فرقه ونشره ، وسميت الفضة فضة لتفرقها فى اثمان الاشياء المشتراة . فقال الله تعالى { ولله خزائن السماوات والأرض } بمعنى له مقدوراته فى السموات والارض ، لان فيها كل ما يشاء إخراجه ، وله خزائن السموات والارض يخرج منهما ما يشاء . وهي داخلة فى مقدوراته ، والخزانة - بكسر الخاء - موضع يخبأ فيه الامتعة ، وإذا كان لله خزائن السموات والارض ، فلا يضرك يا محمد ترك انفاقهم بل لا يضرون إلا أنفسهم دون اولياء الله والمؤمنين الذين يسبب الله قوتهم ولو شاء الله تعالى لأغنى المؤمنين ، ولكن فعل ما هو اصلح لهم وتعبدهم بالصبر على ذلك لينالوا منزلة الثواب { ولكن المنافقين لا يفقهون } ذلك على الحقيقة لجهلهم بعقاب الله تعالى . ثم اخبر عنهم فقال { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز } يعنون نفوسهم { منها الأذل } يعنون رسول الله والمؤمنين . وقيل : إن القائل لذلك في غزوة المريسيع ، كان عبد الله بن ابي بن سلول ، فقال الله تعالى { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } دون المنافقين والكفار { ولكن المنافقين لا يعلمون } ذلك فيظنون ان العزة لهم ، وذلك بجهلهم بصفات الله وما يستحقه أولياؤه وما يعمل بهم . والاعز الأقدر على منع غيره وأصل الصفة المنع فلذلك لم يكن أحد اعز من الله ولا أذل من المنافق . ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم } أي لا تشغلكم أموالكم { ولا أولادكم عن ذكر الله } قال قوم : الذكر المأمور به هو ذكر الله بالحمد والشكر والتعظيم بصفاته العليا واسمائه الحسنى ، ويقال : ألهيته عن الأمر اذا صرفته عنه بما يمنعه قال امرؤ القيس : @ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول @@ وقال قوم : ذكر الله جميع فرائضه ثم قال { ومن يفعل ذلك } أى من شغله ماله او ولده عن ذكر الله { فأولئك هم الخاسرون } الذين خسروا ثواب الله وحصل لهم عقابه . ثم أمرهم بأن ينفقوا مما رزقهم الله فيما تجب عليهم النفقة فيه من الزكاة والجهاد والحج والكفارات وغير ذلك من الواجبات . وفي ذلك دليل على ان الحرام ليس برزق من الله ، لان الله لا يأمر بالمعصية بالانفاق ، ولأنه ينهى عن التصرف فيه بلا خلاف { من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول لولا أخرتني إلى أجل قريب } اى هلا . وقيل : معناه إنه يتمنى أن يرد الى دار الدنيا ، وانما جاز التمني بـ { لولا } ، لأن اصلها التقدير ، والتمني تقدير الخير للاستمتاع { فاصدق } ومعناه فأتصدق ، وانفق في سبيل الله { وأكن من الصالحين } أى من الذين يعملون الأفعال الحسنة . وفي ذلك دليل على ان المقدرة قبل الفعل ، لانهم تمنوا ان يؤخروا ليعملوا ما كانوا قادرين عليه متمكنين منه . ودليل على ان الله تعالى لا يخلق الكفر والنفاق فيهم ، لانه لو فعل ذلك كان لا معنى لتمني التأخير والرد بل الواجب أن يطلبوا منه تعالى ان يكف عنهم الكفر ويخلق فيهم الايمان وقدرته بدل الكفر وقدرته . وقوله { فاصدق } انتصب بأنه جواب التمني بالفاء ، وكل جواب بالفاء نصب ، إلا جواب الجزاء ، فانه رفع على الاستئناف ، لان الفاء في الجزاء وصلة الى الجواب بالجملة من الابتداء والخبر . وانما نصب الجواب بالفاء للايذان بأن الثاني يجب بالأول بدلالة الفاء في الجواب ، وليس يحتاج الى ذلك في الجزاء من قبل ان حرف الجزاء يكفي في الدلالة . ومن قرأ { وأكن } فجزم عطف على موضع الفاء ، لانها في موضع جزم . ومن قرأ { وأكون } عطف على لفظ { فأصدق } . ثم قال { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } يعني الأجل المطلق الذى حكم بأن الحي يموت عنده . والأجل المقيد هو الوقت المحكوم بأن العبد يموت عنده ان لم يقتطع عنه او لم يزد عليه او لم ينقص منه على مايعلمه الله من المصلحة . ثم قال { والله خبير } اى عالم { بما يعملون } فمن قرأ بالياء أراد عالم بعملهم على لفظ الغيبة . ومن قرأ بالتاء أراد بعملكم على الخطاب آى قل لهم .