Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 16-18)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا أمر من الله تعالى للمكلفين يأمرهم بأن يتقوه بأن يتركوا معاصيه ويفعلوا طاعاته . فالاتقاء الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو اليه الهوى . يقال : اتقاه بالترس إذا امتنع منه بأن جعله حاجزاً بينه وبينه . وقوله { ما استطعتم } معناه اتقوه بحسب طاقتكم ، فان الله تعالى لا يكلف نفساً ما لا تطيقه ، وإنما يكلفها ما تسعه له ، ولا ينافي هذا قوله { اتقوا الله حق تقاته } لان كل واحد من الأمرين إنما هو إلزام ترك جميع معاصيه فمن ترك جميع المعاصي فقد اتقى عقاب الله ، لان من لم يفعل قبيحاً ولا أخل بواجب فلا عقاب عليه إلا أن في احد الكلامين تبيين أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق . وهذا يقتضي أن اتقاءه فيما وقع من القبيح ليس بأن لا يكون وقع وإنما هو بالندم عليه مع العزم على ترك معاودته . وكل أمر يأمر الله به فلا بد من أن يكون مشروطاً بالاستطاعة ، فان كانت الاستطاعة غير باقية على مذهب من يقول بذلك ، فالامر بما يفعل في الثالث . وما بعده مشروط بأن يفعل له إستطاعة قبل الفعل بوقت وإلا لا يكون مأموراً بالفعل ، وإن كانت ثابتة فالامر على صفة الاستطاعة ، لانه لا يصح الشرط بالموجود ، لان الشرط يحدث ، فليس يخلو من ان يكون على شريطة وقوع القدرة او على صفة وجود القدرة وقال قتادة قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ناسخ لقوله { اتقوا الله حق تقاته } كأنه يذهب إلى أن فيه رخصة لحال التقية وما جرى مجراها مما يعظم فيه المشقة وإن كانت معه القدرة على الحقيقة . وقال غيره : ليس بناسخ ، وإنما هو مبين لا مكان العمل بهما جميعاً . وهو الصحيح ، لأن تقديره : اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم . وقوله { واسمعوا } أي اصغوا إلى ما يأمركم الله به { وأطيعوا } فيما آمركم به { وأنفقوا } فيما أمركم بالانفاق فيه من الزكاة والانفاق فى سبيل الله وغير ذلك { خيراً لأنفسكم } انتصب { خيراً } بفعل محذوف يدل عليه { أنفقوا } وتقديره وأنفقوا الانفاق خيراً لانفسكم ، ومثله انتهوا خيراً لكم ، وهو كقولهم : وذاك أوسع لك لأنك إذا أمرته بشيء فهو مضمن بأن يأتي خيراً له . وقوله { ومن يوق شح نفسه } أي من منع ووقى شح نفسه . والشح منع الواجب فى الشرع . وقيل : الشح منع النفع على مخالفة العقل لمشقة البذل ، ومثله البخل يقال : شح يشح شحاً فهو شحيح وشحاح . وقال ابن مسعود : من الشح أن تعمد الى مال غيرك فتأكله . وقوله { فأولئك هم المفلحون } معنان إن من وقى شح نفسه وفعل ما اوجبه الله عليه فهو من جملة المنجحين الفائزين بثواب الله . وقوله { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً } والقرض أخذ قطعة من المال بتمليك الآخذ له على رد مثله وأصله القطع : من قرض الشيء يقرضه قرضاً إذا قطع منه قطعة . وذكر القرض فى صفة الله تلطفاً فى الاستدعاء إلى الانفاق فى سبيل الله ، وهو كالقرض فى مثله مع اضعافه ولا يجوز أن يملك الله - عز وجل - لانه مالك للاشياء من غير تمليك ولأن المالك لا يملك ما هو مالكه . وقوله { يضاعفه لكم } أي يضاعف ثوابه لكم بامثاله . ومن قرأ { يضعفه } بالتشديد ، فلان الله تعالى بذل بالواحد عشرة إلى سبعين وسبعمائة { ويغفر لكم } أي ويستر عليكم ذنوبكم ولا يفضحكم بها { إن الله شكور حليم } أي يجازي على الشكر { حليم } لا يعاجل العباد بما يستحقونه من العقاب . وقوله { عالم الغيب والشهادة } أي يعلم السر والعلانية وهو { العزيز } الذي لا يغالب { الحكيم } ، في جميع افعاله و { الشكور } فى صفة الله مجاز ومعناه إنه يعامل المطيع فى حسن الجزاء معاملة الشاكر و ( الحلم ) ترك المعاجلة بالعقوبة لداعي الحكمة . و ( الغيب ) كون الشيء بحيث لا يشاهده العبد . و { الغائب } نقيض الشاهد وهو { الحكيم } في جميع أفعاله . وقرأ { يضعفه } بالتشديد ابن كثير وابن عامر . الباقون { يضاعفه } وقد مضى تفسيره .