Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد فسرنا معنى قوله { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض } وأن المراد بها ما فى خلق السموات والارض ، وما فيهما من الادلة الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه ، وأنه لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء وأنه منزه عن القبائح وصفات النقص ، فعبر عن ذلك بالتسبيح من حيث كان معنى التسبيح التنزيه لله عما لا يليق به . وقوله { له الملك } معناه انه المالك لجميع ذلك والمتصرف فيه بما شاء ، ولا أحد يمنعه منه ، وله الحمد على جميع ذلك ، لأن خلق ذلك أجمع للاحسان إلى خلقه به والنفع لهم فاستحق بذلك الحمد والشكر { وهو على كل شيء قدير } يعني مما يصح أن يكون مقدوراً له ، فلا يدخل فى ذلك مقدور العباد ، لانه يستحيل أن يكون مقدوراً لله . وقوله { هو الذي خلقكم } معناه هو الذي اخترعكم وأنشأكم بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } معناه فمنكم من يختار الكفر بسوء اختياره ومنكم مؤمن بحسن اختياره للايمان . وقال الحسن : فيه محذوف وتقديره فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق . وقال غيره : ليس فيه حذف ، لأن الغرض ذكر الطرفين لا المنزلة بين المنزلتين كما أن قوله { خلقكم } خطاب يتوجه إلى جميع الخلق . وإن كان منهم الاطفال والمجانين الذين لا حكم لهم بالايمان ولا بالكفر . وقال الزجاج : معناه { فمنكم كافر } بالله بأن الله خلقه { ومنكم مؤمن } بذلك . وقوله { والله بما تعملون بصير } معناه - ها هنا - أنه خلق الكافر ، وهو عالم بما يكون منه من الكفر ، وكذلك خلق المؤمن وعلم بما يكون منه من الايمان ، وكل ذلك على وجه الاحسان فى الفعل الذي يستحق به الحمد والشكر . ثم قال { خلق السماوات والأرض } بمعنى اخترعهما وانشأهما { بالحق } أي للحق وهو انه خلق العقلاء تعريضاً لهم للثواب العظيم ، وما عداهم خلق تبعاً لهم لما فيه من اللطف ، وهذا الغرض لا يتأتى إلا على مذهب العدل ، وأما على مذهب الجبر فلا . { وصوركم } متوجه الى البشر كلهم { فأحسن صوركم } معناه من الحسن الذي يقتضيه العقل لا في قبول الطبع له عند رؤيته ، لان فيهم من ليس بهذه الصفة . وقال قوم : لا بل هو من تقبل الطبع لأنه إذا قيل : حسن الصورة لا يفهم منه إلا تقبل الطبع ، وسبيله كسبيل قوله { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } وإن كان فيهم المشوه الخلق لأن هذا عارض لا يعتد به فى هذا الوصف ، والله تعالى خلق الانسان على أحسن صورة الحيوان كله . والصورة عبارة عن بنية مخصوصة كصورة الانسان والفرس والطير وما أشبه ذلك . ثم قال { وإليه المصير } يعني اليه المرجع يوم القيامة واليه المآل . ثم قال { يعلم } يعني الله تعالى بعلم { ما في السماوات والأرض } من الموجودات { ويعلم ما تسرون وما تعلنون } أي ما تظهرونه وما تخفونه . وقيل : ما يسره بعضكم إلى بعض وما تخفوه في صدوركم عن غيركم . والفرق بين الاسرار والاخفاء أن الاخفاء أعم لانه قد يخفى شخصه وقد يخفى المعنى فى نفسه والاسرار والمعنى دون الشخص { والله عليم بذات الصدور } معناه وهو عالم باسرار الصدور وبواطنها . ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين فقال { ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل } يعني من قبل هؤلاء الكفار { فذاقوا وبال أمرهم } أي بما سلطه الله عليهم بأن أهلكهم الله عاجلا واستأصلهم { ولهم عذاب أليم } أي مؤلم يوم القيامة .