Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة { تظاهرا } خفيفة . الباقون بالتشديد ، يعني { تتظاهرا } فأدغم . ومن خفف حذف أحداهما . وقرأ الكسائي وحده { عرف بعضه } خفيفاً وهي قراءة الحسن وابي عبد الرحمن ، وكان أبو عبد الرحمن إذا قرأ إنسان بالتشديد خطأه . وقرأ ابن كثير { جبريل } بفتح الجيم وكسر الراء من غير همزة . وقرأ - بكسر الجيم والراء من غير همز - نافع وابو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم . وقرأ بفتح الجيم والراء وكسر الهمزة مقصور على وزن ( جحمرش ) أبو بكر عن عاصم . وقرأ بفتح الجيم والراء مهموزة بين الراء والياء على وزن ( خزعيل ) حمزة والكسائي وقد بينا الوجه فى ذلك في سورة البقرة . قال ابو علي : جبريل - بكسر الجيم - بلا همزة على وزن ( قنديل ) وبفتح الجيم والراء والهمزة مع المد على وزن ( عندليب ) وبفتح الجيم والراء وكسر الهمزة على وزن ( جحمرش ) وليس في العربية على وزن ( قنديل ) بفتح القاف غير أنه جاء خارجاً على أوزان العربية . هذا خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وعتاب له على تحريم ما أباحه الله له وأحله له ، ولا يدل على انه وقعت منه معصية ، لان العتاب قد يكون على أمر قد يكون الأولى خلافه ، كما يكون على ترك الواجب . وقيل في سبب نزول قوله { يا أيها النبي } قولان : احدهما - قال زيد بن أسلم ومسروق وقتادة والشعبي وابن زيد والضحاك : ان النبي صلى الله عليه وآله حرم على نفسه مارية القبطية بيمين انه لا يقر بها طلباً لمرضاة حفصة زوجته ، لانها غارت عليه من أجلها ، وقال الحسن : حرم رسول الله أم ولده إبراهيم ، وهي مارية القبطية على نفسه فأسر بذلك الى زوجته حفصة فأفضت به إلى عائشة وكانت حفصة بنت عمر قد زارت عائشة ، فحلا بيتها ، فوجه رسول الله الى مارية القبطية ، وكانت معه وجاءت حفصة فأسر اليها التحريم . والقول الثاني - ما رواه عبد الله بن شداد بن الهلال : ان النبي صلى الله عليه وآله كان شرب عند زينب شراب عسل كانت تصلحه له ، فكان يطول مكثه عندها فكره ذلك عائشة وحفصة ، فقالت له إنا نشم منك ريح المغافير ، وهي بقلة متغيرة الرائحة - في قول المفسرين - وقال الزجاج : هي بقلة منتنة ، فحرم النبي صلى الله عليه وآله شراب العسل الذي كان يشربه عند زوجته زينب بنت جحش . وقيل : ذكرت ذلك له حفصة ، فحرمه النبي صلى الله عليه وآله على نفسه . ومن قال : انها نزلت بسبب مارية قال : انه قال : هي علي حرام ، فجعل الله فيه كفارة يمين - ذكره ابن عباس والحسن - ومن قال : إن التحريم كان فى شراب كان يعجبه قال : إنه حلف على انه لا يشربه فعاتبه الله على تحريم ما أحل الله له . والتحريم تبيين ان الشيء حرام لا يجوز ، ونقيضه الحلال . والحرام هو القبيح الممنوع بالنهي عنه ، والحلال الحسن المطلق بالاذن فيه . وعندنا أنه لا يلزم بقوله أنت علي حرام شيء ، ووجوده كعدمه ، وهو مذهب مسروق . وفيه خلاف بين الفقهاء ذكرناه فى الخلاف . وإنما اوجب الله الكفارة ، لانه صلى الله عليه وآله كان حلف ألا بقرب جاريته أو لا يشرب الشراب المذكور ، فعاتبه الله على ذلك وأوجب عليه ان يكفر عن يمينه ويعود الى استباحة ما كان يفعله . وبين أن التحريم لا يحصل إلا بأمر الله ونهيه ، وليس يصير الشيء حراماً بتحريم محرم ، ولا باليمين على تركه ، فلذلك قال { لم تحرم ما أحل الله لك } . وقوله { تبتغي مرضات أزواجك } معناه إنك تطلب رضاء أزواجك في تحريم ما أحله الله لك . فالابتغاء الطلب ، ومنه البغي طلب الاستعلاء بغير حق ، والبغية معتمد الطلب والبغيّ الفاجرة لطلبها الفاحشة . وقوله { والله غفور رحيم } معناه ارجع الى الأولى والأليق ، فان الله يرجع للتائب الى التولي ، لانه غفور رحيم . وقوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي قد قدر الله تعالى ما تحلون به يمينكم إذا فعلتموه ، وذلك يدل على انه صلى الله عليه وآله كان حلف دون ان يكون قال : هي عليّ حرام ، لان ذلك ليس بيمين - عند اكثر الفقهاء - وقال الحسن : فرض الله تحلة اليمين في الكفارة للمؤمنين . فأما النبي صلى الله عليه وآله فلا كفارة عليه ، لان الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وتحلة اليمين هو فعل ما يسقط تبعته في اليمين إما بكفارة او بتناول شيء من المحلوف عليه ، فمن حلف ألا يأكل من هذا الطعام ، فمتي أكله حنث ، ولزمته كفارة ، وينحل اليمين بها ، ومن حلف أنه يأكل من هذا الطعام وأكل منه شيئاً قليلا فقد انحلت يمينه ، فلذلك سمي تحلة اليمين . وقوله { والله مولاكم } معناه الله ناصركم ، وهو أولى بكم منكم بأنفسكم ، ومن كل احد { وهو العليم } بجميع الاشياء { الحكيم } فى جميع أفعاله . وقوله { وإذ أسرّ النبي } معناه واذكروا حين أسر النبي { إلى بعض أزواجه حديثاً } فالاسرار القاه المعنى إلى نفس المحدث على وجه الاخفاء عن غيره ، يقال : أسر اليه كذا وكذا إسراراً والاسرار نقيض الاعلان . وقيل : إنه كان أسر إلى حفصة ألا تخبر عائشة بكونه مع مارية فى يوم عائشة وقال إنه حرمها على نفسه ، فأطلعت عليه عائشة . وقيل : إنه كان يوم حفصة ، فأطلعت عليه عائشة فاستكتمها النبي فأخبرت حفصة بذلك فانتشر الخبر فعاتبهم الله على ذلك . وقال الزجاج والفراء : أسر اليها بأنه سيلي الأمر بعده أبو بكر وعمر وعثمان فتباشروا بذلك فانتشر الخبر . وروى أصحابنا انه أسر الى عائشة بما يكون بعده من قيام من يقوم بالأمر ورفع علي عليه السلام عن مقامه فبشرت بذلك أباها فعاتبهم الله على ذلك . وقوله { فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض } معناه لما أخبرت التي اسر اليها الذي خبرها به الى غيرها وأعلم الله تعالى نبيه ذلك واظهره له { عرف بعضه وأعرض عن بعض } فمن قرأ بالتخفيف قال الفراء : معناه إنه عاتب على بعض ذلك وصفح عن الباقي . وروي انه طلق حفصة تطليقة جزاء على ذلك ثم راجعها بأمر الله تعالى ، وقيل : معنى قراءة من شدد أراد انه صلى الله عليه وآله أعلمها جميع ذلك وعرفها إياه ، فلما نبأها به يعني لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله ، زوجته بذلك وعرفها أنها افشت سره { قالت } له فى الجواب { من أنبأك هذا } أي من اخبرك بهذا فقال النبي صلى الله عليه وآله { نبأني } أي اخبرني بذلك واعلمني { العليم } بجميع المعلومات { الخبير } بسرائر الصدور الذي لا يخفى عليه شيء من أمور عباده ظاهراً وباطناً . ثم خاطبهما يعني عائشة وحفصة وقال قل لهما { إن تتوبا إلى الله } وترجعا الى طاعته { فقد صغت قلوبكما } قال ابن عباس ومجاهد : معناه زاغت قلوبكما إلى الاثم . وقال عمر بن الخطاب وجميع أهل التأويل : انه عنى عائشة وحفصة ، وقال بعضهم : معناه مالت قلوبكما الى ما كرهه الله من تحريم ما حرمه . وقوله { فقد صغت قلوبكما } من صلة { إن تتوبا إلى الله } والجواب محذوف ، وتقديره إن تتوبا الى الله قبلت توبتكما ، وقال قوم { فقد صغت قلوبكما } جواب كقول القائل إن تتابع المجيء اليّ فلقد جفوتني وقطعتني دهراً أي يحق لك ان تفعل ذلك ، فقد صرمت فيما قبل . وإنما قال { قلوبكما } مع أن لهما قلبين ، لأن كلما تثبت الاضافة فيه معنى التثنية ، فلفظ الجمع أحق به ، لأنه أمكن واخف باعراب الواحد وقلة الزائد . وذلك فى كل شيئين من شيئين ، ويجوز التثنية لأنها الاصل ، كما قال الراجز : @ ظهراهما مثل ظهور الترسين @@ فجمع المذهبين . وقوله { وإن تظاهرا عليه } معناه وإن تعاونا على خلافه { فإن الله هو مولاه } يعني الله الذي يتولى حفظه وحياطته ونصرته { وجبريل } ايضاً معين له وناصره { وصالح المؤمنين } قال الضحاك : يعنى خيار المؤمنين . وقال قتادة : يعني أتقياء المؤمنين . وقال الزجاج : { صالح المؤمنين } واحد فى موضع الجمع ، وقال أبو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني : هو صالحوا المؤمنين على الجمع ، غير انه حذفت الواو للاضافة ، وهذا غلط ، لأن النون سقطت للاضافة ، فكان يجب ان يثبت الواو في الحظ ، وفي المصاحف بلا واو ، وروت الخاصة والعامة أن المراد بصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك يدل على انه أفضلهم ، لان القائل إذا قال : فلان فارس قومه او شجاع قبيلته او صالحهم ، فانه يفهم من جميع ذلك انه افرسهم واشجعهم واصلحهم . وقوله { والملائكة بعد ذلك ظهير } معناه إن الملائكة بعد من ذكره معينون له ، فالظهير المعين الذي هو كالظهر له في القوة . وقوله { عسى ربه إن طلقكن } معاشر نساء النبي { أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } فمن خفف الدال ، فلأنه يدل على القليل والكثير ، ومن شدد أراد ان الله يبدلهن اكثر منهن . ومعنى { خيراً منكن } أي افضل منكن وأصلح له . ثم وصفهن تعالى فقال { مسلمات } وهن اللواتي يظهرن الاسلام والشهادتين مستسلمات لما أمر الله به { مؤمنات } أي مصدقات بتوحيد الله واخلاص العبادة له مقرات بنبوة نبيه صلى الله عليه وآله وقيل : معناه مصدقات في قولهن وفعلهن { قانتات } أي خاضعات متذللات لله تعالى . وقيل : معنى { قانتات } راجعات الى الله بفعل ما يجب له - عز وجل - { عابدات } لله بما تعبدهن به من العبادات متذللات له { سائحات } معناه ماضيات في طاعة الله . وقال ابن عباس وقتادة والضحاك : معنى سائحات صائمات . وقال زيد ابن اسلم : معنى { سائحات } مهاجرات ، وهو اختيار الجبائي وقيل : للصائم سائح ، لانه يستمر فى الامساك عن الطعام والشراب ، كما يستمر السائح فى الارض { ثيبات } وهن الراجعات من عند الأزواج بعد افتضاضهن مشتق من ثاب يثوب اذا رجع { وأبكاراً } جمع بكر ، وهي التي على أول حالها قبل الافتضاض .