Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 6-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { نصوحاً } بضم النون حماد ويحيى الباقون بفتحها ، وهما لغتان ، وقال قوم : من فتح النون جعله نعتاً للتوبة وحمله على الكثرة . ومن ضمه جعله مصدراً هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين صدقوا بتوحيد الله واخلاص العبادة له وأقروا بنبوة نبيه صلى الله عليه وآله يأمرهم بأن يقوا أنفسهم أي يمنعونها ، ويمنعون أهليهم ناراً ، وانما يمنعون نفوسهم بأن يعملوا الطاعات ، ويمنعون أهليهم بأن يدعوهم اليها ويحثوهم على فعلها ، وذلك يقتضي أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي ان يكون للأقرب فالاقرب . وقال مجاهد وقتادة : معنى { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } مروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصيته . ثم وصف تعالى النار التي حذرهم منها فقال { وقودها الناس والحجارة } قيل حطب تلك النار الناس والحجارة كوقود الكبريت وهو اشد ما يكون من العذاب { عليها ملائكة غلاظ } في الاخلاق وإن كانوا رقاق الاجسام ، لان الظاهر من حال الملك انه روحاني فخروجه عن الروحانية كخروجه عن صورة الملائكة { شداد } في القوى { لا يعصون الله ما أمرهم } به . وفي ذلك دلالة على ان الملائكة المؤكلين بالنار وبعقاب العصاة معصومون عن فعل القبيح لا يخالفون الله في أمره ويمتثلون كل ما يأمرهم به ، وعمومه يقتضي انهم لا يعصونه في صغيرة ولا كبيرة . وقال الرماني : لا يجوز أن يعصي الملك في صغيرة ولا كبيرة لتمسكه بما يدعو اليه العقل دون الطبع . وكل من تمسك بما يدعو اليه العقل دون الطبع ، فانه لا يقع منه قبيح . وقد اختارهم الله على ما في المعلوم منهم وقيل : هم غلاظ شداد يعذبون على قدر قواهم بأنواع العذاب . وقال الجبائي قوله { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } يعني - في دار الدنيا - لان الآخرة ليست دار تكليف . وإنما هي دار جزاء . وإنما أمرهم الله بتعذيب اهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم ولذاتهم في تعذيب أهل النار ، كما جعل سرور المؤمنين ولذاتهم في الجنة . ثم حكى ما يقال للكفار يوم القيامة فان الله تعالى يخاطبهم فيقول { يا أيها الذين كفروا } نعمتي وجحدوا ربوبيتي وأشركوا في عبادتي من لا يستحقها ، وكذبوا أنبيائي ورسلي { لا تعتذروا اليوم } فان اليوم دار جزاء لا دار توبة واعتذار { إنما تجزون } على قدر { ما كنتم تعملون } في الدنيا على الطاعات بالثواب ولا طاعة معكم ، وعلى المعاصي بالعقاب ودخول النار ، وانتم مستحقون لذلك . ثم عاد إلى خطاب المؤمنين في دار التكليف فقال { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله } من معاصيه وأرجعوا إلى طاعته { توبة نصوحاً } أي توبة خالصة لوجه الله . فمن قرأ - بضم النون - وهو أبو بكر عن عاصم أراد المصدر ، ومن فتح النون جعله صفة للتوبة ونعتاً لها . والتوبة النصوح هي التي يناصح فيها الانسان نفسه باخلاص الندم مع العزم على ألا يعود إلى مثله في القبح . وقوله { عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئآتكم } معناه متى تبتم توبة نصوحاً كفر الله عنكم سيئاتكم ، وغفر لكم فان { عسى } من الله واجبة { ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } مضافاً إلى تكفير السيئآت والعفو عنها { يوم لا يخزي الله النبي } ولا يخزي { الذين آمنوا معه } أي لا يذلهم ولا يعاقبهم بل يعزهم بادخال الجنة . ثم وصف النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين معه فقال { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } قال ابن عباس : معناه يسعى نور كتابهم الذي فيه البشرى { يقولون ربنا } في موضع الحال ، وتقديره قائلين { ربنا أتمم لنا نورنا } قال : يقول ذلك المؤمنون حين يطفئ نور المنافقين ويبقون فى الظلمة فيسأل المؤمنون حينئذ إتمام نورهم { واغفر لنا } أي استر علينا معاصينا ولا تهلكنا بها { إنك على كل شيء قدير } لا يعجزك شيء . ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله فقال { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين } قيل : معناه جاهد الكفار بالقتال والحرب ، والمنافقين بالقول الذي يردع عن القبيح لا بالحرب إلا أن فيه بذل المجهود ، فلذلك سماه جهاداً . وفي قراءة اهل البيت { جاهد الكفار بالمنافقين } لأنه صلى الله عليه وآله كان يجاهد الكفار وفي عسكره جماعة من المنافقين يقاتلون معه . وقوله { واغلظ عليهم } أي اشدد عليهم . قال الحسن : اكثر من كان يصيب الحدود فى ذلك الزمان المنافقون . فأمر الله أن يغلظ عليهم فى إقامة الحدود . ثم قال { ومأواهم } يعني مأوى الكفار والمنافقين ومستقرهم { جهنم وبئس المصير } لما فيها من أنواع العقاب . وقوله { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } قال ابن عباس : كانت امرأة نوح وأمرأة لوط منافقتين { فخانتاهما } قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس انه مجنون ، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط ، لما فى ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به ، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا ، فقد أخطأ خطاء عظيماً ، وليس ذلك قولا لمحصل . ثم قال { فلم يغنيا عنهما } أي لم يغن نوح ولوط عن المرأتين { من الله شيئاً } أي لم ينجياهما من عقاب الله وعذابه { وقيل } لهما يوم القيامة { ادخلا النار مع الداخلين } من الكفار . وقال الفراء : هذا مثل ضربه الله تعالى لعائشة وحفصة ، وبين انه لا يغنيهما ولا ينفعهما مكانهما من رسول الله إن لم يطيعا الله ورسوله ، ويمتثلا أمرهما ، كما لم ينفع امرأة نوح وامرأة لوط كونهما تحت نبيين . وفي ذلك زجر لهما عن المعاصي وامر لهما أن يكونا كآسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران فى طاعتهما لله تعالى وإمتثال أمره ونهيه .