Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو جعفر والكسائي { فسحقاً } بضم الحاء مثقل . الباقون بالتخفيف ، وهما لغتان . لما ذكر الله تعالى ما أعد للشياطين من عذاب السعير ، ذكر عقيبه وعيد الكفار وما أعد لهم لاتصال ذلك بوعيد النار ، فقال { وللذين كفروا } يعني بتوحيد الله وإخلاص عبادته وجحدوا نبوة رسله وما جاءوا به { عذاب جهنم } ثم قال { وبئس المصير } أي بئس المآل والمرجع . وإنما وصفه بـ { بئس } وهي من صفات الذم ، والعقاب حسن ، لما في ذلك من الضرر الذى يجب على كل عاقل أن يتقيه بغاية الجهد واستفراغ الوسع ومع هذا ليس يخفى المراد فى ذلك على أحد . ولا يجوز قياساً على ذلك أن يوصف به الفاعل ، لأنه لا يوصف به الفاعل إلا على وجه الذم ، لانه لا يقال : بئس الرجل إلا لمن كان مستحقاً للذم من حيث أن القادر قادر على الضدين . ووجه الحكمة في فعل العقاب ما فيه من الزجر المتقدم للمكلف ، ولا يمكن ان يكون مزجوراً إلا به ولولاه لكان مغرى بالقبيح . ثم قال تعالى { إذا ألقوا فيها } ومعناه إذا طرح الكفار فى النار { سمعوا لها } يعني للنار { شهيقاً } وصوتاً فظيعاً بنفس كالنزع ، فاذا اشتد لهيب النار سمع لها ذلك الصوت كأنها تطلب الوقود ، قال رؤبة : @ حشرج فى الجوف سحيلا او شهق حتى يقال ناهق وما نهق @@ وقال ابو العالية : الشهيق فى الصدر ، والزفير فى الحلق وقوله { وهي تفور } أي ترتفع ، فالفور ارتفاع الشيء بالغليان ، يقال : فارت القدر تفور فوراً ومنه الفوارة لارتفاعها بالماء ارتفاع الغليان . وفار الدم فوراناً ، وفار الماء يفور فوراً . وقوله { تكاد تميز من الغيظ } أي تكاد النار تتفرق وتنقطع من شدتها ، وسمى شدتها والتهابها غيظاً لأن المغتاظ هو المتقطع بما يجد من الألم الباعث على الايقاع لغيره ، فحال جهنم كحال المغتاظ ، فالتميز التفرق والتمييز التفريق . وقال ابن عباس { تميز } أي تفرق ، وهو قول الضحاك وابن زيد . وقوله { كلما ألقي فيها فوج } يعني كلما طرح فى النار فوج من الكفار { سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } يعني تقول لهم الملائكة الموكلون بالنار على وجه التبكيت لهم فى صيغة الاستفهام : ألم يجئكم مخوف من جهة الله يخوفكم عذاب هذه النار ؟ ! فيقولون فى جوابهم { بلى قد جاءنا نذير } أي مخوف معلم { فكذبنا } ولم نصدقه ولم نقبل منه { وقلنا ما أنزل الله من شيء } مما تدعوننا اليه وتحذروننا منه فتقول لهم الملائكة { إن أنتم إلا في ضلال كبير } أي لستم اليوم إلا في عذاب عظيم . { وقالوا } أيضاً يعني الكفار { لو كنا نسمع } من النذر ما جاؤنا به { او نعقل } ما دعونا اليه وعملنا به { ما كنا في أصحاب السعير } فقال الله تعالى { فاعترفوا بذنبهم } يعني أقر اهل النار بمعاصيهم في ذلك الوقت الذي لم ينفعهم الاعتراف . فالاعتراف هو الاقرار بالشيء عن معرفة ، وذلك ان الاقرار مشتق من قرّ الشيء يقرّ قراً إذا ثبت ، فالمقر في المعنى مثبت له والاعتراف مأخوذ من المعرفة . فقال الله تعالى { فسحقاً لأصحاب السعير } أي بعداً لهم عن الخير وعن ثواب الله ونعمه ، فكأنه قال اسحقهم الله سحقاً او ألزمهم الله سحقاً عن الخير فجاء المصدر على غير لفظه ، كما قال الله تعالى { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } وتقديره فأسحقهم الله إسحاقاً لأنه مأخوذ منه فأما سحقته سحقاً فمعناه باعدته بالتفريق عن حال اجتماعه بما صار اليه كالغبار . وليس لأحد أن يقول : ما وجه اعترافهم بالذنب مع ما عليهم من الفضيحة به ؟ ! وذلك أنهم قد علموا انهم قد حصلوا على الفضيحة اعترفوا او لم يعترفوا وانهم سواء عليهم أجزعوا أم صبروا ، فليس يدعوهم إلى أحد الأمرين إلا بمثل ما يدعوهم إلى الآخر في أنه لا فرج فيه ، فلا يصلح أن يقال لم جزعوا إلا بمثل ما يصلح أن يقال لم صبروا ، وكذلك لم اعترفوا بمنزلة لم لم يعترفوا على ما بيناه ، والذنب مصدر لا يثنى ولا يجمع ، ومتى جمع فلاختلاف جنسه ، كما يقال غطاء الناس واغطيتهم .