Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى { إنا بلوناهم } يعني هؤلاء الكفار أي اختبرناهم { كما بلونا أصحاب الجنة } يعني البستان { إذ أقسموا } أي حين اقسموا فيما بينهم { ليصرمنها مصبحين } ووجه الكلام إنا بلونا أهل مكة بالجدب والقحط ، كما بلونا اصحاب الجنة بهلاك الثمار التي كانت فيها حين دعا النبي صلى الله عليه وآله عليهم ، فقال " اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فالبلوى المحنة بشدة التعبد على ما يقتضيه الحال فى صحة التكليف . والصرم قطع ثمر النخل : صرم النخلة يصرمها صرماً ، فهو صارم ، ومنه الصريمة القطيعة عن حال المودة . وهم عشرة أولاد كانوا لرجل من بني إسرائيل ، وكان يأخذ من بستانه كفاية سنته ويتصدق بالباقي ، فقال أولاده : ليس يكفينا ، وحلفوا أنهم يصرمون بستانهم ليلا وابى عليهم ابوهم ، فأقسموا أنهم ليصرمون ثمر نخل البستان إذا اصبحوا ، ولم يستثنوا ، ومعناه لم يقولوا إن شاء الله فقول القائل : لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء ومعناه إن شاء الله منعي او تمكين ما نعي ، فقال الله تعالى { فطاف عليها } يعني على تلك الجنة { طائف من ربك } أي طرقها طارق من أمر الله ، فالطائف الطارق ليلا ، فاذا قيل أطاف به صلح فى الليل والنهار ، وانشد الفراء : @ اطفت به نهاراً غير ليلى والهي ربها طلب الرخال @@ الرخال أولاد الضان واحدها رخل وفى الانثى رخلة { وهم نائمون } أي فى حال نومهم { فأصبحت } يعني الجنة { كالصريم } أي كالليل الأسود - فى قول ابن عباس - وانشد ابو عمرو بن العلا : @ ألا بكرت وعاذلني تلوم تجهلني وما انكشف الصريم @@ وقال : @ تطاول ليلك الجون البهيم فيما ينجاب عن صبح صريم إذا ما قلت اقشع او تناهى جرت من كل ناحية غيوم @@ وقال قوم : الصريم هو المصروم ، وقال سعيد بن جبير : الصريم أرض معروفة باليمين لا نبات فيها تدعى صروان ، وإنما قيل لليل صروم ، لانه يقطع بظلمته عن التصرف في الامور . وقيل : إنما فعل الله بهم ذلك لانهم منعوا الحقوق اللازمة من ثمار هذه الجنة . والصرم قطع الثمر . والصريم المصروم جميع ثماره . وقوله { فتنادوا مصبحين } اخبار عن حالهم أنهم لما اصبحوا نادى بعضهم بعضاً يا فلان يا فلان ، والتنادي دعاء بعض الناس بعضاً بطريقة يا فلان وأصله من الندى بالقصر ، لأن النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان ، لان الصوت إنما يمتد للانسان بندى حلقه . والنادي مجلس الرفد وهو الندي { أن اغدوا على حرثكم } أى نادى بعضهم بعضاً بأن اغدوا ، او قالوا : { اغدوا على حرثكم } والحرث الزرع الذي قد حرثت له الأرض ، حرث يحرث حرثاً والحراث الذى يحرث الأرض ، ومنه الحارث ، ومنه الحرث ، كناية عن الجماع . ويقال : احترث لأهله إذا اكتسب بطلب الرزق ، كما يطلب الحراث { إن كنتم صارمين } أى قاطعين لثماركم ، فالصارم قاطع ثمر الشجر على الاستئصال . واكثر ما يستعمل ذلك في النخل ، ويجوز في الشجر ، وأصله القطع . وقد تصرم النهار إذا مضى قطعة قطعة حتى انقضى . وقيل : معناه إن كنتم حاصدين زرعكم . ثم قال { فانطلقوا } أى ذهبوا ، وهم { يتخافتون } فالتخافت التقابل في اخفاء الحركة ، وأصله الخفاة من خفت فلان يخفت إذا اخفى نفسه ومعناه - ها هنا - يتسارون بينهم { أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين } في - قول قتادة - وقوله { وغدوا على حرد } فالحرد القصد ، حرد يحرد حرداً فهو حارد . قال الشاعر : @ اقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغلة @@ أى يقصد ، وقال الحسن : معناه على جهة من الفاقة . وقال مجاهد : معناه على جد من أمرهم ، وهو قول قتادة وابن زيد : وقال سفيان : معناه على حنق ، وذلك من قول الأشهب بن رميلة : @ اسود شرى لاقت اسود خفية فساقوا على حرد دماء الاساود @@ أي على غضب . وقيل : معناه على منع من قولهم حاردت السنة إذا منعت قطرها ، وحاردت الناقة إذا منعت لبنها . والأصل القصد . وقوله { قادرين } معناه مقدرين انهم يصرمون ثمارهم ، ويجوز ان يكون المراد وغدوا على حرد قادرين عند انفسهم على صرام جنتهم .