Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 1-16)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الكسائي وابو بكر عن عاصم { ن والقلم } بالاخفاء . الباقون بالاظهار . والاظهار اقوى ، لان النية بها الوقف إذ هي حرف هجاء . ويجوز ادغام النون الثانية في الواو المقارنة على قياس ( من واقد ) ولم يقرأ به احد . وقرأ { آن كان ذا مال } بهمزة واحدة ممدودة يعقوب وابو جعفر وابن عامر - وبهمزتين - حمزة وابو بكر ، الباقون بهمزة واحدة . واختلفوا في معنى ( ن ) فى هذا الموضع . فقال قوم : هو اسم من أسماء السورة مثل ( حم ، والم وص ، وق ) وما اشبه ذلك . وهو الذى قلنا إنه اقوى الأقوال . وقال ابن عباس - فى رواية عنه - إن النون الحوت الذى عليه الارضون . وفي رواية أخرى عنه إن النون الدواة . وهو قول الحسن وقتادة ، وروي في خبر عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : " ( نون ) لوح من نور " وقال قوم : تقديره ورب نون والقلم . والقلم آلة مبرية للكتابة . والمقلمة وعاء القلم ، وجمعه أقلام ، ومنه قلامة الظفر ، لانه يؤخذ منه كالأخذ بالقط . وانجرّ القلم بالقسم . وقوله { وما يسطرون } ( ما ) في موضع جر بالعطف على { والقلم } وكان القسم بالقلم وما يسطر بالقلم ، ويجوز ان تكون ( ما ) مصدرية ، وتقديره : ن والقلم وسطركم ، فيكون القسم بالكتابة ، وعلى الأول بالمكتوب والسطر الكتابة ، وهو وضع الحروف على خط مستقيم : سطر يسطر سطراً إذا كتب ، وأسطر إذا كتب . وجمع السطر سطور واسطار ، قال رؤبة : @ اني وأسطار سطرن سطراً @@ والمسطرة آلة التسطير . وقوله { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } هو المحلوف عليه ، وهو جواب القسم ، ومعناه لست يا محمد بمجنون بنعمة ربك ، كما تقول ما انت بنعمة ربك بجاهل ، وجاز تقديم معمولها بعد الباء ، لأنها زائدة مؤكدة في ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وتقديره انتفى عنك الجنون بنعمة ربك ، وإنما قال { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } مع ان الجنة قد تكون نعمة ، لأن الجنة لا تكون نعمة من حيث هي جنة ، وإنما تكون نعمة من حيث تؤدي إلى مصلحة في الدين . والعافية تكون نعمة من حيث هي عافية ، فلهذا حسن ما أنت بنعمة ربك بمجنون والجنون غمور العقل بستره عن الادراك به بما يخرج عن حكم الصحيح ، وأصله الستر من قوله { جن عليه الليل } إذا ستره . وقيل إن قوله { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } جواب لقول المشركين حين قالوا { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } فقال الله تعالى { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } . وقوله { وإن لك } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول له { وإن لك } يا محمد { لأجراً } أى ثواباً من الله على قيامك بالنبوة وتحملك بأعبائها { غير ممنون } أى غير مقطوع من قولهم منه السير يمنه مناً إذا قطعه ، ويقال : ضعفت منتي عن السفر ، ورجل منين أى ضعيف ، ويجوز ان يكون المراد به إنه غير مكدر بالمن الذى يقطع عن لزوم الشكر ، من قولهم : المنة تكدر الصنيعة . وقال الحسن : معناه لا يمن عليك بأجرك . ثم وصف النبي صلى الله عليه وآله فقال { وإنك } يا محمد { لعلى خلق عظيم } قال الحسن : على دين عظيم ، وهو الاسلام . وقيل أدب القرآن . وقال المؤرج : معناه على دين عظيم بلغة قريش . وقالت عائشة : كانت خلق النبي صلى الله عليه وآله ما تضمنه العشر الاول من سورة { المؤمنون } ، فالخلق المرور فى الفعل على عادة ، فالخلق الكريم الصبر على الحق وسعة البذل ، وتدبير الأمور على مقتضى العقل . وفي ذلك الرفق والأناة والحلم والمداراة . ومن وصفه الله بأنه على خلق عظيم فليس وراء مدحه مدح . وقيل : وإنك لعلى خلق عظيم بحكم القرآن وكل ذلك عطف على جواب القسم . وقوله { فستبصر ويبصرون } معناه فستعلم يا محمد يوم القيامة ويعلمون ، يعني هؤلاء الكفار الذين يرمونك بالجنون تارة وبالكهانة أخرى { بأيكم المفتون } وقيل فى معناه قولان : احدهما - باي فرقكم المفتون بما يجري مجرى الجنون . والثاني - ان يكون معنى { بأيكم المفتون } كما يقال : ليس له معقول أي عقل وتقديره ستعلم ويعلمون بمن منكم الجنون ، وقيل : معنى الباء ( فى ) وكأنه قال فى أيكم الجنون المفتون المبتلى بتخييل الرأي كالمجنون ، وذلك كما يبتلى بشدة الهوى المجنون . فيقال : فتن فلان بفلانة ، وعلى هذا المعنى قال ابن عباس : بايكم المجنون وقال قتادة : معناه أيكم اولى بالشيطان جعل الباء زائدة كما قال الراجز : @ نحن بنو جعدة اصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج @@ ومعناه ونرجوا الفرج . وقال مجاهد : معناه أيكم المفتون كأنه قال فى أيكم المفتون . ثم قال { إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضل عن سبيله } الذي هو سبيل الحق أى بمن عدل عنها وجار عن السلوك فيها { وهو أعلم بالمهتدين } أى بمن اهتدى اليها وعمل بموجبها . ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله فقال له { فلا تطع المكذبين } بتوحيد الله والجاحدين لنبوتك ولا توافق ما يريدونه . وقوله { ودّوا لو تدهن فيدهنون } قال ابن عباس : معناه ودوا لو تكفر فيكفرون ، وهو قول الضحاك ، وفى رواية أخرى عن ابن عباس : إن معناه ود هؤلاء الكفار لو تلين في دينك ، فيلينون في دينهم ، فشبه التليين في الدين بتليين الدهن . وقيل : معناه ودوا لو تركن إلى عبادة الأوثان فيما لونك . والادهان الجريان في ظاهر الحال على المقاربة مع إضمار العداوة . وهو مثل النفاق . ورفع { فيدهنون } بالعطف على قوله { لو تدهن } ولم يجعله جواب التمني . ثم قال له صلى الله عليه وآله { ولا تطع } يا محمد { كل حلاف } أى من يقسم كثيراً بالكذب { مهين } يعني مكثار في الشر - في قول الحسن وقتادة - والمهين الوضيع باكثاره من القبيح ، ومن عرف بأنه يحلف على الكذب ، فهو مهين . وقال البلخي : المهين الفاجر - في هذا الموضع - . وقوله { هماز مشاء بنميم } أى وقاع في الناس بما ليس له أن يعيبهم به . والاصل فيه الدفع بشدة اعتماد ، ومنه الهمزة حرف من حروف المعجم ، وهي همزة تخرج من الصدر بشدة اعتماد ، وقال ابن عباس : الهماز المغتاب . وقوله { مشاء بنميم } فالنميم التضريب بين الناس بنقل الكلام يغلظ لقلوب بعضهم على بعض ومنه النمام المشموم ، لأنه يججد ريحه كالمخبر عن نفسه ، والنميم والنميمة مصدران . وهو نقل الاحاديث بالتضريب : نم ينم نميماً ونميمة { مناع للخير } أى يمنع خيره ونفعه ، فلا ينتفع أحد به { معتد } قال قتادة : معناه متجاوز للحد فى المعاملة { أثيم } أي آثم فهو ( فعيل ) بمعنى ( فاعل ) وهو الذي فعل ما يأثم به { عتل بعد ذلك } فالعتل الجافي الغليظ . ومنه قوله { خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم } أي اذهبوا به بعنف وغلظة يقال : عتله يعتله ويعتله عتلا إذا زعزعه بغلظ وجفاء . وقال ذو الاصبع : @ والدهر يغدو معتلا جذعاً @@ وقيل : العتل الفاحش اللئيم . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله ذلك . و " الزنيم " الدعي وهو الملصق بالقوم ، وليس منهم . وأصله الزنمة وهي الهينة التي تتحرك تحت حلق الجدى وقال حسان : @ وانت زنيم نيط فى آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد @@ و ( بعد ) ها هنا معناه ( مع ) وقال آخر @ زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم @@ ويقال للتيس : زنيم له زنمتان ، والزنيم الدعي - عن ابن عباس - وقيل : هو الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها . وقوله { أن كان ذا مال وبنين } من قرأ على الاستفهام ، وهو حمزة وابو بكر عن عاصم أراد ، ألان كان ذا مال وبنين ؟ ! على وجه التوبيخ له { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } ويحتمل ان يكون المراد لأن كان ذا مال وبنين يطاع . وقيل : كان له ألف دينار وعشرة بنين { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } أي أحاديث الأولين التي سطرت وكتبت لا أصل لها وواحد الاساطير أسطورة - فى قول الزجاج . وقرأ حمزة وابو بكر عن عاصم { أأن كان ذا مال وبنين } بهمزتين . وقرأ ابن عامر بهمزة ممدودة . الباقون بهمزة واحدة . وقد فسرناه . فقال الله تعالى مهدداً له ومتوعداً { سنسمه على الخرطوم } أي سنعلم على أنفه علامة يعرف بها الملائكة انه من أهل النار ، فالسمة العلامة المفرقة بالرؤية بين الأشياء المختلطة ، كسمة الخيل إذا أرسلت فى المروج ، وسمه يسمه وسماً وسمة ، فهو موسوم . والخرطوم الانف ، وهو الناتئ فى الوجه الذي يقع به الشم . ومنه خرطوم الفيل ، وخرطمه إذا قطع أنفه وجعله خراطيم . وقال ابن عباس : معنى { سنسمه على الخرطوم } نحطمه بالسيف فى القتال ، كما فعل بهم يوم بدر . وقال قتادة : معناه سنعلمه بشيء يبقى على الابد . وقال بعضهم معناه : سنسود وجهه فعبر عن الوجه بالخرطوم ، لانه فيه . وقيل : نزلت هذه الآيات فى الوليد بن المغيرة المخزومي ، وقيل : نزلت فى الأخنس بن شريق الثقفي ، كانت به زنمة يعرف بها - ذكره ابن عباس -