Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 46-52)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ نافع وحده { يزلقونك } بفتح الياء من زلقت . الباقون بضمها من أزلقت ، وهما لغتان : زلقت ، وأزلقت . قال الفراء : يقولون : زلقت شعره وأزلقته إذا حلقته . والمعنى ليرمون بك ويلقونك . يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله على وجه التوبيخ للكفار { أم تسألهم } اي هل تسألهم { أجراً } يعني ثواباً وجزاء على دعائك إياهم إلى الله وتخويفك إياهم من المعاصي وأمرك إياهم بطاعة الله { فهم من مغرم } أي هم من لزوم ذلك { مثقلون } أي محملون ، فالأجر القسط من الخير الذي يستحق بالعمل . والمغرم ما يلزم من الدين الذي يلج فى اقتضائه . وأصله اللزوم بالالحاح ، ومنه قوله { إن عذابها كان غراماً } أي لازماً ملحاً قال الشاعر : @ يوم الجفار ويوم النسار كانا عذاباً وكانا غراما @@ وقولهم دفع مغرم أي دفع الاقتضاء بالالحاح ، والغرم ما يلزم بالاقتضاء على وجه الالحاح فقط . والمثقل المحمل للثقل وهو ما فيه مشقة على النفس كالمشقة بالحمل الثقيل على الظهر ، يقال : هو مثقل بالدين ، ومثقل بالعيال ومثقل بما عليه من الحقوق اللازمة والأمور الواجبة . وقوله { أم عندهم الغيب فهم يكتبون } معناه هل عندهم علم أختصوا به لا يعلمه غيرهم ، فهم يكتبونه ويتوارثونه بصحة ما يدعونه فينبغي ان يبرزوه . ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { فاصبر لحكم ربك } الذي حكم عليك بالصبر وأمهلهم إلى وقت آجالهم { ولا تكن كصاحب الحوت } يعني ولا تكن فى استعجال عقابهم مثل يونس حين طلب من الله تقديم عقاب قومه وإهلاكهم ، ولا تخرج من بين ظهراني قومك قبل ان يأذن الله لك فى ذلك كما فعل يونس { إذ نادى وهو مكظوم } قال ابن عباس ومجاهد : معناه مغموم ، كأن الغم قد حبسه عن الانبساط فى أمره ، والمكظوم المحبوس عن التصرف في الامور ، ومنه كظمت رأس القربة إذا شددت رأسها ، وكظم غيظه إذا حبسه بقطعه عما يدعو اليه . وقال قتادة : لا تكن مثله فى العجلة والمغاضبة ، حتى نادى يونس وهو ممنوع بقعطه عن شفاء غيظه ، والذى نادى به { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فجعله الله من الصالحين ، بما بين لعباده من صلاحه ، ويجوز بما لطف له حتى صلح فى كل ما امره الله به . وفي الكلام حذف ، وتقديره : ولا تكن كصاحب الحوت فى استعجاله الخروج من بين قومه انتظاراً لنزول العذاب بهم ، فلما رفع الله عنهم العذاب مضى على وجهه ، فعاتبه على ذلك وحبسه فى بطن الحوت ، فلجأ إلى الله تعالى . وقوله { إذ نادى } متعلق بتقدير : إذكر يا محمد حاله إذ نادى . ولا يجوز ان يكون متعلقاً بقوله { ولا تكن كصاحب الحوت } حين نادى ، لان الله لا ينهى نبيه أن يقول مثل ما قال يونس من الدعاء . وقوله { لولا أن تداركه نعمة من ربه } معناه لولا أن الله رحم يونس ولحقته نعمة من جهته { لنبذ بالعراء } أي لطرح بالصحراء الواسعة { وهو مذموم } قالوا هي الارض العارية من النبات والأبنية وكل حال ساترة . وقال الفراء : الفضاء من الأرض العاري ، قال الشاعر وهو قيس بن جعدة : @ ورفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي @@ وقوله { وهو مذموم } قال ابن عباس : وهو مليم أي أتى بما يلام عليه ، ولكن الله تعالى تداركه برحمة من عنده ، فطرح بالعراء وهو غير مذموم . وقوله { فاجتباه ربه فجعله من الصالحين } معناه اختار الله يونساً فجعله من جملة الصالحين المطيعين لله التاركين لمعاصيه . وقوله { وإن يكاد الذين كفروا } قال النحويون : { إن } هذه المخففة عن الثقيلة ، لانها لو كانت للشرط لجزم ( يكد ) وتقديره ، وإن يكاد الذين كفروا أي قارب الذين كفروا { ليزلقونك بأبصارهم } أي يرمون بك عند نظرهم غيظاً عليك قال الشاعر : @ يتلاحظون إذا التقوا في محفل نظراً يزيل مواقع الاقدام @@ ويكاد يصرعه بحدة نظره . وقيل كان الرجل إذا أراد ان يصيب صاحبه بالعين تجوّع ثلاثة أيام ثم نظره فيصرعه بذلك ، والمفسرون كلهم على ان المراد بازلاقهم له بأبصارهم من الاصابة بالعين . وقال الجبائي منكراً لذلك : إن هذا ليس بصحيح ، لان هذا من نظر العداوة وذلك عندهم من نظر المحبة على أن إصابة العين ليس بصحيح . قال الرماني : وهذا الذي ذكره ليس بصحيح ، لانه لا يمتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة بصحة ذلك لضرب من المصلحة ، فلا وجه للامتناع من ذلك ، وعليه اجماع المفسرين ، وهو المعروف بين العقلاء والمسلمين وغيرهم ، فينبغي ان يكون مجوّزاً . وروي أن اسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن بني جعفر يصيبهم العين ، فأسترقي لهم ، قال : نعم ، فلو كان شيء سابق القدر سبقة العين . وقيل : إنهم كانوا يقولون ما اظهر حججه ، وما افصح كلامه ، وما ابلغ خطابه ، يريدون بذلك ان يعينوه به ، قال البلخي : المعنى إنهم كانوا ينظرون اليه نظر عداوة وتوعد ، ونظر من يهم به ، كما يقول القائل : يكاد يصرعني بشدة نظره قال الشاعر : @ يتعارضون إذا التقوا فى موطن نظراً يزيل مواضع الاقدام @@ أي ينظر بعضهم إلى بعض نظراً شديداً بالبغضاء والعداوة ، ونظر يزيل الاقدام عن مواضعها أي يكاد يزيل . وقوله { لما سمعوا الذكر } يعني القرآن { ويقولون } مع ذلك { إنه لمجنون } قد غلب على عقله ، قالوا ذلك فيه مع علمهم بوقارة عقله تكذباً عليه ومعاندة له ، فقال الله تعالى رداً عليهم { وما هو } أي ليس هذا القرآن { إلا ذكر للعالمين } أي شرف إلى ان تقوم الساعة .