Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 25-37)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما حكى الله تعالى قصة أهل الجنة وشرح أحوالهم ، حكى - ها هنا - قصة أهل النار وشرح أحوالهم ، فقال { وأما من أوتي كتابه } يعني من أعطي كتابه الذي فيه أعماله مثبتة { بشماله } وإنما يعطي الله هؤلاء كتابهم بشمالهم ، لانه جعل ذلك إمارة للملائكة والخلائق على أن صاحبه من أهل النار ، فهو إذا اعطي كتابه في شماله يقول عند ذلك متمنياً متحسراً على ما فرط { يا ليتني لم أوت كتابيه … } أى ليتني لم اعط هذا الكتاب ، والتمني هو قول القائل لما كان : ليته لم يكن ، ولما لم يكن : ليته كان : فهو من صفات الكلام . وقال قوم : هو معنى في النفس فهؤلاء الذين يعطون كتابهم بشمالهم يتمنون أن لم يعطوا كتابهم أصلا ، ولم يعلموا ما لهم وما عليهم ، لان اعمالهم كلها معاصي ، وهم يستحقون العقاب لا غير فلذلك يتمنون أن لا يعرفوا حسابهم ، والحساب اخراج الكثير مما تضمن معنى العدة ، وهو محتمل الزيادة والنقصان ، والتمني في قول الكفار معناه التحسر والتندم وإن خرج مخرج التمني . ثم حكى تعالى أنهم لعظم ما دفعوا اليه من العقاب والاهوال ينتدمون ويتحسرون ويتمنون أن لو كانت القاضية بدلا مما هم فيه . قال الفراء : معناه ليت الموتة الأولى التي متناها لم نجئ بعدها . والقاضية الفاصلة بالامانة ، يقال : قضى فلان إذا مات ، واصله فصل الأمر ، ومنه قضية الحاكم ، وجمعها قضايا ، ومنه قضاء الله وهو الاخبار بأنه يكون على القطع ، والهاء في { يا ليتها } كناية عن الحالة التي هم فيها ، وقيل كناية عن الموتة . قال قتادة : يعني الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء اكره منه . ثم حكى انه يقول { ما أغنى عني ماليه } ومعناه ما كفاني في صرف المكروه ولا صرف عني شيئاً من عقاب الله تعالى يقال : أغنى يغني غنى واغناء ، قال ابن زيد : معناه ما نفعني ملكي الذى كان لي في الدنيا . وقوله { هلك عني سلطانيه } قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : هلك عني حجتي . وقال الحسن : قد جعل الله لكل إنسان سلطاناً على نفسه ودينه وعيشه . وقال قوم : معناه هلك عني تسلطي وأمري ونهيي في دار الدنيا على ما كنت مسلطاً عليه لا أمر لي ولا نهي ، فالهلاك ذهاب الشيء بحيث لا يقع عليه احساس ، هلك يهلك هلوكاً ، فهو هالك ، قال الزجاج : والوجه أن يوقف على هذه الهاآت ، ولا توصل ، لانها ادخلت للوقف ، وقد حذفها قوم . وفي ذلك مخالفة المصحف ، فلا احب حذفها . قال : ولا احب ان اصل وأثبت الهاء ، فان هذه رؤس الآي فالوجه الوقف عندها ، وكذلك قوله { وما أدراك ما هيه } وقد وصل بلاهاء الكسائي . الباقون بالهاء في الحالين . ثم حكى ما يقول الله تعالى للملائكة ويأمرهم به ، فانه يقول لهم { خذوه } يعني الكفار الذى أعطي كتابه بشماله { فغلوه } أى اوثقوه بالغل ، وهو أن يشد احدى يديه او رجليه إلى عنقه بجامعة { ثم الجحيم صلوه } فالجحيم هي النار الغليظة لأن النار قد تكون ضعيفة كنار السراج ونار القدح ، وقد تكون قوية كنار الحريق فلا يقال لنار السراج : جحيم ، وهو اسم علم على نار جهنم التي أعدها الله للكفار والعصاة ، والتصلية إلزام النار ، ومنه الاصطلاء وهو القعود عند النار للدفا ، واصله لزوم الأمر ، فمنه المصلي الذي فى أثر السابق ومنه قول الشاعر : @ وصلى على دنها وارتسم @@ أي لزم الدعاء لهاء . وقوله { ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه } تقديره : ثم اسلكوه فى سلسلة طولها سبعون ذراعاً فاسلكوه فيها ، فالسلسلة حلق منتظمة كل واحدة منها فى الأخرى ، ومنه يقال : سلسل كلامه إذا عقده شيئاً بعد شيء ، وتسلسل إذا استمر شيئاً قبل شيء على الولاء والانتظام . والذرع اخذ قدر الذراع مرة او أكثر ، ذرع الرجل الثوب يذرعه ذرعاً ، فهو ذرّاع ، والثوب مذروع ، مأخوذ من الذراع وهو العضو الذي يكون فى طرف الكف من الانسان . وقيل : اسلكوه في السلسلة ، لأنه يأخذ عنقه فيها ، ثم يجرّ بها . وقال الضحاك : إنها تدخل في فيه وتخرج من دبره . وقيل : المعنى ثم اسلك السلسلة فيه فقلب كما يقال : ادخلت القلنسوة في رأسي ، وإنما أدخل رأسه فيها ، وكما قال الاعشي : @ [ غضوب من السوط زيّافة ] إذا ما أرتدى بالسراه الاكم @@ وإنما السراة ترتدي بالاكم ، ولكنه قلب ، فهو يجري مجرى التقديم والتأخير اتساعاً في اللغة من غير اخلال بالمعنى . ويقولون أيضاً : ادخلت الخاتم في يدي ، والخف في رجلي ، وإنما تدخل اليد والرجل في الخاتم والخف ، فقلب . ثم بين تعالى لم فعل به ذلك ؟ وعلى أي شيء استحقه ، فقال { إنه كان لا يؤمن بالله } أى لم يكن يوحد الله في دار التكليف ولم يصدق بالله { العظيم } في صفاته التي لا يشاركه فيها غيره { ولا يحض على طعام المسكين } أى لا يحث على ذلك مما يجب عليه من الزكاة والكفارات والنذور . ثم قال تعالى { فليس له } يعني للكافر { اليوم ها هنا } يعني يوم القيامة { حميم } وهو القريب الذى يحمي لغضب صاحبه { ولا طعام الأمن غسلين } يعنى من صديد أهل النار وما يجري منهم ، فالطعام هو ما هيئ للأكل ، فلذلك لا يسمى التراب طعاماً للانسان ، والخشب طعام الأرضة ، وليس من طعام أكثر الحيوان . فلما هيئ الصديد لأكل أهل النار كان ذلك طعاماً لهم . والغسلين هو الصديد الذى يتغسل بسيلانه من ابدان أهل النار . ووزنه ( فعلين ) من الغسل وقال ابن عباس : هو صديد أهل النار . وقيل : اهل النار طبقات منهم من طعامه الضريع ، ومنهم من طعامه الغسلين ، لانه قال في موضع آخر { ليس لهم طعام إلا من ضريع } وقال قطرب : يجوز أن يكون الضريع هو الغسلين ، فعبر عنه بعبارتين ، وقال قوم : يجوز ان يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع ولا شراب الا من غسلين ، فسماه طعاماً كما قال الشاعر : @ علفتها تبناً وماء بارداً @@ ثم قال تعالى { لا يأكله } أي لا يأكل هذا الغسلين { إلا الخاطئون } وهم الجائرون عن طريق الحق عامدين . والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن المخطئ قد يكون من غير تعمد لما وقع به من ترك اصابة المطلوب ، وخطئ يخطىء خطأ فهو خاطئ قال امرؤ القيس : @ يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا القائلين الملك الحلا حلا @@ فهؤلاء الكفار قد جاروا عن طريق الحق وضلوا عن الصراط المستقيم وتبعوا الضلال فى الدين .