Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 19-24)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الفراء : نزلت هذه الآية فى أبي سلمة بن عبد الأسود ، وكان مؤمناً ، وكان أخوه الأسود بن عبد الاسود كافراً ، نزلت فيه الآية التي بعدها . قسم الله تعالى حال المكلفين يوم القيامة ، فقال { فأما من أوتي } أي اعطي { كتابه } الذي فيه أعماله { بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا } قال ابن زيد : يقول المكلف تعالوا اقرأوا { كتابيه } ليعلمهم انه ليس فيه إلا الطاعات ، فلا يستحيون أن ينظر فيها غيرهم ، واهل الحجاز يقولون : ها يا رجل ، وللاثنين هاؤما ، وللجمع هاءموا ، وللمرأة هاء - بهمزة - وليس بعدها ياء ، وللمرأتين هاؤما ، وللجماعة هاؤن يا نسوة . وتميم وقيس يقولون : ها يا رجل مثل قول أهل الحجاز ، وللاثنين هاءا ، وللثلاثة هاءوا ، وللمرأة هائي ، وربما قالوا : هاء يا هذه ، وللثلاثة هان . وبعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً ، فيقول : هاك بغير همزة ، ويؤمر بها ولا ينهى و ( هاء ) بمنزلة خذ وتناول . ووقف الكسائي على { هاؤم } وابتدأ { اقرءوا واكتابيه } . ويقول أيضاً { إني ظننت أني ملاق حسابيه } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : معناه إني علمت ، وإنما حسن هذا فيما يلزم العمل فيما يلزم العمل به لتأكد امره بالظن ، كما يلزم بالعلم مع مقاومة الظن للعلم بالقوة فى النفس إلا أن العلم معه قوة ينتهي إلى الثقة الثابتة بسكون النفس . والمعنى اني كنت متيقناً فى دار الدنيا بأني ألقى حسابي يوم القيامة ، واعلم أني اجازى على الطاعة بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب ، وأعمل بما يجب عليّ من الطاعات واجتناب المعاصي . ثم اخبر تعالى عن حال من أعطي كتابه بيمينه فقال { فهو في عيشة راضية } أي فى عيشة مرضية تقول : عاش يعيش عيشاً وعيشة ، وهي الحالة التي تستمر بها الحياة ومنه المعاش الذي يطلب التصرف له بعائد النفع عليه ، وراضية معناه مرضية . فـ ( فاعلة ) بمعنى ( مفعولة ) لأنه فى معنى ذات رضاً ، كما قيل : لابن وتامر ، أي ذو لبن وذو تمر . قال النابغة : @ كليني لهم يا أميمة ناصب وليل اقاسيه بطيء الكواكب @@ أي ذو نصب ، فكأن العيشة أعطيت حتى رضيت ، لانها بمنزلة الطالبة كما أن الشهوة بمنزلة الطالبة للمشتهى . وقيل : هو كقولهم : ليل نائم وسر كاتم وماء دافق ، على وجه المبالغة فى الصفة من غير التباس في المعنى : فعلى هذا جاء عيشة راضية ولا يجوز على هذا القياس زيد ضارب بمعنى مضروب لانه يلتبس به . وقوله { في جنة عالية } أي بستان أجنه الشجر مرتفعة ، فالعلو الجهة المقابلة لجهة السفل . والعلو والسفل متضمن بالاضافة فيكون الغلو سفلا إذا أضفته إلى ما فوقه ، ويكون علواً إذا اضيف إلى ما تحته ، وقوله { قطوفها دانية } أي اخذ ثمرها ، فالقطف اخذ الثمرة بسرعة من موضعها من الشجر ، وهو قطوفها ، كأنه قال دانية المتناول ، قطف يقطف قطفاً فهو قاطف ، وقطف تقطيفاً . والدنو القرب ، دنا يدنو دنواً فهو دان ، وتدانيا تدانياً وأحدهما أدنى الينا من الآخر . وقال قتادة : معناه قطوفها دانية لا يرد أيديهم عن ثمرها بُعْدٌ ولا شوك . ثم حكى تعالى ما يقال لهم فانه يقال لهم { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم } وصورته صورة الأمر والمراد به الاباحة ، كما قال { وإذا حللتم فاصطادوا } وقال قوم : انه أمر على الحقيقة ، لان الله يريد من أهل الجنة الأكل والشرب لما لهم في ذلك من زيادة السرور إذا علموا ذلك . وإنما لا يريد ذلك في الدنيا ، لانه عبث لا فائدة فيه . وقوله { هنيئاً } معناه مريئاً ليس فيه ما يؤذي ، فليس يحتاج فيه الى اخراج فضل لغائط ولا بول . وقوله { بما أسلفتم } أي جزاء على ما عملتموه من الطاعة { في الأيام الخالية } أي الماضية في دار التكليف .