Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-143)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أهل الحجاز إِلا عاصماً " دكاء " بالمد والهمزة من غير تنوين - ها هنا وفى الكهف - وافقهم عاصم في الكهف . الباقون { دكاً } منونة مقصورة في الموضعين ، قال أبو زيد : يقال : دككت على الميت التراب أدكه دكاً : اذا دفنته وأهلت عليه ، وهما بمعنى واحد ، ودككت الركية دكاً اذا دفنته ، ودك الرجل فهو مدكوك اذا مرض ، وقال أبو عبيدة { جعله دكاً } أي مندكاً ، والدَّك والدَّكة مصدره ، وناقة دكاء ذاهبة السنام والدك المستوي ، وانشد للأغلب : @ هل غير عاد دكَّ عاداً فانهدم @@ وقال أبو الحسن : لما قال { جعله دكاً } فكأنه قال : دكه أي أراد جعله ذا دك ، ويقال : دكاء جعلوها مثل الناقة الدكاء التي لا سنام لها . قال أبو علي الفارسي : المضاف محذوف - على تقدير في قول أبي الحسن ، وفي التنزيل { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } وقال { كلا إِذا دكت الأرض دكاً دكاً } وقال الرماني : معنى دكاً مستويا بالأرض ، يقال : دكه يدكه دكاً إِذا سحقه سحقاً ، ومنه الدكة . واندك السنام اذا لصق بالظهر . وقال الزجاج : دكاً يعني مدقوقاً مع الأرض ، والدكاء والدكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها لا تبلغ أن تكون جبلاً . وقيل : إِيه سباخ في الأرض - في قول الحسن وسفيان وأبي بكر الهذلي . وقال ابن عباس : صار تراباً ، وقال حميد : @ يدك أركان الجبال هزمه يخطر بالبيض الرقال بهمه @@ وقيل في معنى قراءة من قرأها ممدودة قولان : احدهما - انه شبَّه الجبل بالناقة التي لا سنام لها ، فيقال لها : دكاء فكأنه قال فجعله مثل دكاء . الثاني - فجعله أرضاً دكاء . أخبر الله تعالى في هذه الآية أن موسى ( ع ) لما جاء الى مقات ربه وهو الموضع الذي وقته له ، وكلمه الله تعالى فيه سأل الله تعالى أن يريه لينظر اليه . واختلف المفسرون في وجه مسألة موسى ( ع ) ذلك مع أن الرؤية بالحاسة لا تجوز عليه تعالى على ثلاثة أقوال : أحدها - أنه سأل الرؤية لقومه حين ، قالوا له { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } بدلالة قوله { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فإِن قيل على هذا ينبغي أن يجوزوا أن يسأل الله تعالى هل هو جسم أم لا أو يسأله الصعود والنزول ، وغير ذلك مما لا يجوز عليه ؟ ! قلنا عنه جوابان : أحدهما - أنه يجوز ذلك إِذا علم أن في ورود الجواب من جهة الله مصلحة ، وأنه أقرب الى زوال الشبهة عن القوم بأن ذلك لا يجوز عليه تعالى ، كما جاز ذلك في مسألة الرؤية . وقال الجبائي : إِنهم سألوا الله تعالى قبل ذلك هل يجوز عليه تعالى النوم أم لا ؟ وقالوا له : سل الله أن يبين لنا ذلك ، فسأل الله تعالى ذلك ، فأمره بأن يأخذ قدحين يملأ أحدهما ماء ، والآخر دهناً ، ففعل وألقى عليه النعاس ، فضرب أحدهما على الآخر فانكسرا ، فأوحى الله تعالى اليه أن لو جاز عليه تعالى النوم لاضطراب أمر العالم ، كما اضطرب القدحان في مدة حتى تكسرا . الثاني - عن هذا السؤال أنه إِنما يجوز أن يسأل الله ما يمكن أن يعلم صحته بالسمع ، وما يكون الشك فيه لا يمنع من العلم بصحة السمع ، وإِنما يمنع من ذلك سؤال الرؤية التي تقتضي الجسمية والتشبيه ، لأن الشك في الرؤية التي لا تقتصي التشبيه مثل الشك في رؤية الضمائر والاعتقادات ، وما لا يجوز عليه الرؤية ، وليس كذلك الشك في كونه جسماً أو ما يتبع كونه جسماً من الصعود والنزول ، لأن مع الشك في كونه جسماً ، لا يصح العلم بصحة السمع من حيث أن الجسم لا يجوز أن يكون غنياً ولا عالماً بجميع المعلومات ، وكلاهما لا بد فيه من العلم بصحة السمع ، فلذلك جاز أن يسأل الرؤية التي لا توجب التشبيه ولم يجز أن يسأل كونه جسماً ، وما أشبهه . والجواب الثاني - في أصل المسألة : أنه سأل العلم الضروري الذي يحصل في الآخرة ، ولا يكون في الدنيا ليزول عنه الخواطر والشبهات ، والرؤية تكون بمعنى العلم ، كما تكون الادراك بالبصر ، كما قال { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } وأمثاله . وللانبياء أن يسألوا ما يزول عنهم الوساوس والخواطر ، كما سأل ابراهيم ربه { قال رب أرني كيف تحيي الموتى } غير أنه سأل ما يطمئن قلبه الى ذلك وتزول عنه الخواطر والوساوس ، فبين الله تعالى له أن ذلك لا يكون في الدنيا . الثالث - أنه سأل آية من آيات الساعة التي يعلم معها العلم الذي لا يختلج فيه الشك كما يعلم في الآخرة وهذا قريب من الثاني . وقال الحسن والربيع والسدي : إِنه سأل الرؤية بالبصر على غير وجه التشبيه . وقوله { لن تراني } جواب من الله تعالى لموسى أنه لا يراه على الوجه الذي سأله ، وذلك دليل على أنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لأن ( لن ) تنفي على وجه التأبيد ، كما قال { ولن يتمنوه أبداً } وهذا إِنما يمكن أن يعتمده من قال بالجواب الأول ، فأما من قال : انه سأل العلم الضروري أو علماً من أعلام الساعة لا يمكنه أن يعتمده ، لأن ذلك يحصل في الآخرة ، فيجري ذلك مجرى اختصاص الرؤية بالبصر على مذهب المخالف بحال الدنيا . وقوله تعالى { فإِن استقر مكانه فسوف تراني } معناه إِن استقر الجبل في حال ما جعله دكاً متقطعاً فسوف تراني ، فلما كان ذلك محالاً لأن الشىء لا يكون متحركاً ساكناً في حال واحدة ، كانت الرؤية المتعلقة بذلك محالة ، لأنه لا يعلق بالمحال إِلا المحال . وقوله { فلما تجلى ربُّه للجبل } معناه ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل بأن { جعله دكاً } . وقيل : إِن الله تعالى أبرز من ملكوته ما تدكدك به إِذ في حكمه أن الدنيا لا تقوم لما يبرز من الملكوت الذي في السموات ، كما قيل : إِنه ابرز ألخنصر من العرش ، ويجوز أن يكون المراد { فلما تجلى ربه } لأهل الجبل ، كما قال { واسأل القرية } والتجلي هو الظهور ، ويكون ذلك تارة بالرؤية ، وأخرى بالدلالة ، قال الشاعر : @ تجلى لنا بالمشرفية والقنا وقد كان عن وقع الأسنة نائيا @@ وإِنما أراد الشاعر أن تدبيره دل عليه حتى علم أنه المدبر لذلك وأن تدبيره صواب ، فقال تجلى أي علم ، ولم ير بالابصار ، ولا أدرك بالحواس ، لأنه كان عن وقع الأسنة نائياً ، ولكن استدل عليه بحسن تدبيره . وقال قوم : معناه فلما تجلى بالجبل لموسى قالوا : وحروف الصفات تتعاقب فيكون ( اللام ) بمعنى ( الباء ) . وقال قوم : لو أراد موسى الرؤية بالبصر لقال أرينك أو أرني نفسك ، ولا يجوز غير ذلك في اللغة . وقوله { وخرَّ موسى صعقاً } قيل في معنى ذلك قولان : أحدهما - قال ابن عباس والحسن وابن زيد وأبو علي الجبائي : إِنه وقع مغشياً عليه من غير أن يكون قد مات بدلالة قوله { فلما أفاق } ولا يقال للميت اذا عاش أفاق ، وإِنما يقال : عاش أو حيي ، وقال قتادة : معناه مات . وقوله { قال سبحانك تبت إِليك } قيل في معنى توبته ثلاثة أقوال : أحدها - أنه تاب ، لأنه سأل قبل أن يؤذن له في المسألة ، وليس للأنبياء ذلك . الثاني - أنه تاب من صغيرة ذكرها . الثالث - أنه قال ذلك على وجه الانقطاع اليه والرجوع الى طاعته ، وإِن كان لم يعص ، وهذا هو المعتمد عندنا دون الأولين ، على أنه يقال لمن جوز الرؤية على الله تعالى اذا كان موسى ( ع ) إِنما سأل ما يجوز عليه فمن أي شىء تاب ؟ فلا بد لهم من مثل ما قلناه من الأجوبة . فإِن قيل : كيف يجوز أن يكون تجويز الرؤية صغيراً مع أنه جهل بالله على مذهب من قال إِنه كان ذلك صغيرة ؟ ! قيل : لأنه إِذا لم تكن الرؤية المطلوبة على وجه التشبيه جرى مجرى تجويزه أن تكون هذه الحركة من مقدورات الله في أنه لا يخرجه من أن يكون عارفاً به تعالى ، وإِنما شك في الرؤية والحركة . وقوله { وأنا أول المؤمنين } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال الجبائي : أنا أول المؤمنين بأنه لا يراك شىء من خلقك فأنا أول المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرؤية . الثاني - قال مجاهد : وأنا أول المؤمنين من بني اسرائيل .