Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 43-43)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزع الغل في الجنة تصفية الطباع ، وإِسقاط الوساوس ، وإِعطاء كل نفس مناها ، ولا يتمنى أحد ما لغيره . قرأ ابن عامر { ما كنا لنهتدي } بلا واو ، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام . الباقون باثباتها . وجه الاستغناء عن الواو أن الجملة متصلة بما قبلها فأغنى التباسها بها عن حرف العطف . ومثله { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } فاستغنى عن حرف العطف بالالتباس من احدى الجملتين بالأخرى . ومن أثبت الواو فلعطفه جملة على جملة . في هذه الآية إِخبار عما يفعله بالمؤمنين في الجنة بعد أن يخلدهم فيها ، بأن ينزع ما في صدورهم من غل ، فالنزع رفع الشىء عن مكانه المتمكن فيه ، إِما بتحويله ، وإِما باعدامه . ومعنى نزع الغل - ها هنا - إِبطاله . وقيل في ما ينزع الغل من قلوبهم قولان : أحدهما - قال أبو علي : بلطف الله لهم في التوبة حتى تذهب صفة العداوة . الثاني - بخلوص المودة حتى يصير منافياً لغل الطباع . والثاني أقوى ، لأن قوله { تجري من تحتهم الأنهار } حال لنزع الغل ، وكأنه قال : ونزعنا ما في صدورهم من غل في حال تجري من تحتهم الأنهار وعلى الأولى يكون { تجري من تحتهم الأنهار } مستأنفاً . والغُل : الحقد الذي ينقل بلطفه الى صميم القلب ، ومنه الغلول ، وهو الوصول بالحيلة الى دقيق الخيانة ، ومنه الغَل الذي يجمع اليدين والعنق بانغلاله فيها . والصدر : ما يصدر من جهته التدبير والرأي ، ومنه قيل للرئيس : صدر ، وقيل صدر المجلس . وقوله { تجري من تحتهم الأنهار } فالجريان انحدار المائع ، فالماء يجري ، والدم يجري ، وكذلك كل مايصح أن يجري ، فهو مائع ، وجرى الفرس في عدوه مشبه بجري الماء في لينه وسرعته . وقوله { تجري من تحتهم الأنهار } فالنهر المجرى الواسع من مجاري الماء ، ومنه النهار لاتساع ضيائه ، وانْهار الدم لاتساع مخرجه . وقوله { وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله } إِخبار عن قول أهل الجنة واعترافهم بالشكر لله تعالى الذي عرضهم له بتكليفه إِياهم ما يستحقون به الثواب . وقيل : معنى { هدانا لهذا } يعني لنزع الغل من صدورنا . وقيل : هدنا لثبات الايمان في قلوبنا . وقيل : هدنا لجواز الصراط . وقوله { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } إِقرار من أهل الجنة واعتراف بأن ما جاءت به الرسل اليهم من جهة الله أنه حق لا شبهة فيه ، ولا مرية في صحته . وقوله { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } فالنداء الدعاء بطريقة يا فلان كأنه قيل لهم : أيُّها المؤمنون { أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } جزاء لكم على ذلك ، على وجه التهنئة لهم بها . و ( أن ) مخففة من الثقيلة و ( الهاء ) مضمرة ، والتقدير ونودوا بأنه تلكم الجنة . وقال الزجاج { أن تلكم } تفسير للنداء ، والمعنى قيل لكم : تلكم الجنة . وإِنما قال { تلكم } لأنهم وعدوا بها في الدنيا ، وكأنه قيل لهم هذه تلكم التي وعدتم بها . ويجوز أن يكونوا عاينوها ، فقيل لهم - قبل أن يدخلوها - إِشارة اليها { تلكم الجنة } . ومن أدغم ، فلان الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الادغام . ومن ترك الادغام في { أورثتموها } وهو ابن كثير ، ونافع وعاصم وابن عامر - فلتباين المخرجين ، وأن الحرفين في حكم الانفصال ، وإِن كانا في كلمة واحدة ، كما لم يدغموا { ولو شاء الله ما اقتتلوا } وإِن كانا مثلين لا يلزمان لأن تاء ( افتعل ) قد يقع بعدها غير التاء ، فكذلك أورث ، قد يقع بعدها غير التاء ، فلا يجب الادغام . واستدل الجبائي بذلك على ان الثواب يستحق بأعمال الطاعات ، ولا يستحق من جهة الاصلح ، لان الله تعالى بين انهم اورثوها جزاء بما عملوه من طاعته ( عز وجل ) .