Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 57-57)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائى وخلف { الريح } على التوحيد ، ها هنا وفي النمل ، والثانى من الروم وفي فاطر وقرأ عاصم { بشراً } بالباء وضمها وسكون الشين . وقرأه نافع بالنون وضمها وضم الشين وهم أهل الحجاز والبصرة ، وكذلك الخلاف في الفرقان ، والنمل . قال أبو علي ( الريح ) إِسم على وزن ( فِعَل ) ، والعين منه واو فانقلبت ياء في الواحد للكسرة وصحت في الجمع القليل ، لأنه لا شيء يوجب الاعلال ألا ترى أن الفتحة لا توجب اعلال هذه الواو في مثل يوم وقول وعون قال ذو الرمة : @ اذا هبت الأرواح من نحو جانب به آل ميِّ هاج شوقي هبوبها @@ وليس ذلك كعيد وأعياد ، لأن هذا بدل لازم وليس البدل في الريح كذلك . فاما في الجمع الكثير فرياح انقلبت الواو بالكسرة التي قبلها كما انقلبت في نحو ديمة وديم ، وحيلة وحيل ، وفي رياح أجدر ، لوقوع الالف بعدها ، والالف تشبه الياء ، والياء إِذا تأخرت عن الواو وجب فيها الاعلال فكذلك الألف لشبهها بها ، والريح على لفظ الواحد ، ويجوز ان يراد بها الكثرة ، لقولهم : كثير الدرهم والدينار ، وقوله { إن الإنسان لفي خسر } ثم قال { إِلا الذين آمنوا } فكذلك من قرأ { الريح بشراً } فأفرد ، ووصفه بالجمع ، فانه حملها على المعنى . وقد أجاز أبو الحسن ذلك وقال الشاعر : @ فيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً @@ ومن نصب جاء قوله على المعنى ، لأن المفرد يراد به الجمع ، وهذا وجه قراءة ابن كثير لأنه أفرد ( الريح ) ووصفه بالجمع ، فلا يكون ( الريح ) على هذا اسم جنس وقول من جمع الريح اذا وصفها بالجمع أحسن إِذ الحمل على المعنى أقل من الحمل على اللفظ ، ويؤكد ذلك قوله { الرياح مبشرات } فلما وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضاً . فأما ما جاء في الحديث من أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول اذا هبت ريح : " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " فلأن عامة ما جاء بلفظ الرياح السقيا والرحمة ، كقوله { وأرسلنا الرياح لواقح } وقوله { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } وقوله { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء } وما جاء بخلاف ذلك جاء على الافراد كقوله { وفي عاد إِذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } وقوله { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر } وقوله { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } قال أبو عبيدة { نشراً } أي متفرقة من كل جانب ، وقال أبو زيد : انشر الله الموتى إِنشاراً اذا بعثها وأنشر الله الريح مثل أحياها ، فنشرت الجنوب وأحييت ، والدليل على ذلك قول المراد الفقسي : @ وهبت له ريح الجنوب واحييت له ريدة يحيي المياه نسيمها @@ والريدة والريدانة الريح ، قال الشاعر : @ إِني لأرجو أن تموت الريح فأقعد اليوم واستريح @@ ومن قرأ " نشراً " بضم النون والشين يحتمل ضربين : جمع ريح ، ريح نشور وريح ناشر ، ويكون على معنى النِّسب فاذا جعله جمع نشور احتمل أمرين : أحدهما - أن يكون النشور بمعنى المنشر كما أن الركوب بمنزلة المركوب كان المعنى ريح أو رياح منشرة ، ويجوز أن يكون نشراً جمع نشور يريد به الفاعل مثل طهور ونحوه من الصفات . ويحتمل أن يكون نشر جمع ناشر كشاهد وشهد ونازل ونزل وقايل وقيل ، قال الاعشى : @ إِنا لأمثالكم يا قومنا قيل @@ وقول ابن عامر { بشراً } يحتمل الوجهين : أن يكون جمع فعول وفاعل فخفف العين ، كما خفف في كتب ورسل ، ويكون جمع فاعل كبارك وبرك وغايظ وغيظ . ومن فتح النون وسكون الشين فانه يحتمل ضربين : أحدهما - أن يكون المصدر حالاً من الريح فاذا جعلته حالاً منها احتمل أمرين أحدهما - أن يكون النشر الذي هو خلاف الطبي ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية ، ويجوز على تأويل أبي عبيدة أن تكون متفرقة في وجوهها . والآخر - أن يكون النشر الذي هو الحياة من قوله : @ حتى يقول الناس مما رأوا يا عجباً للميت الناشر @@ فاذا حملته على ذلك - وهو الوجه - كان المصدر يراد به الفاعل ، كما تقول أتانا ركضاً أي راكضاً ، ويجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول كأنه يرسل الرياح انشاراً أي محياة فحذف الزوائد من المصدر ، كما يقال عمرك الله . وكما يقال : فان يهلك فذلك كان قدري أي تقديري . والضرب الآخر - أن يكون { نشراً } على هذه القراءة ينصب انتصاب المصادر من باب { صنع الله } لأنه إِذا قال يرسل الرياح دل هذا الكلام على تنشير الريح نشراً . وقراءة عاصم { بشراً } بالباء فهو جمع بشير وبشر من قوله { يرسل الرياح مبشرات } أي تبشر بالمطر والرحمة وجمع ( بشير ) على ( بشر ) ككتاب وكتب . لما أخبر الله تعالى في الآية الأولى أنه الذي خلق السماوات والارض وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات ، وأنه الذي يجلل الليل النهار ، عطف على ذلك بأن قال { وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته } تعداداً لنعمه على خلقه . والارسال هو الاطلاق بتحميل معنى ، كما تقول : أرسلت فلاناً أي حملته رسالة ، فلما أطلق الله الرياح كان ذلك بمنزلة المطوي في الامتناع من الادراك ثم صارت تدرك في الآفاق ، كانت كنشر الثوب بعد طيه في الادراك قال امرؤ القيس : @ كان المدام وصوب الغمام وريح الخزامي ونشر القطر @@ وقال الفراء : النشر من الرياح : الطيبة اللينة التي تنشىء السحاب ، والسحاب الغيم الجاري في السماء مشتقاً من الاسحاب ، يقال : سحبه سحباً وأسحب إِسحاباً وتسحب تسحباً . وقوله { بين يدي رحمته } معناه قدام رحمته ، كما يقدم الشىء بين يدي الانسان ، كما قال { لما خلقت بيدي } أي توليت خلقه ، كما يقول الانسان : عملت بيدي ، والرحمة يراد بها - ها هنا - الغيث . وقوله { حتى إذا أقلت سحابا ثقالاً } فالاقلال حمل الشىء بأسره حتى يقل في طاقة الحامل له بقوة جسمه ، يقال : استقل بحمله استقلالاً . وأقله إِقلالا ، والثقال جمع ثقيل ، والثقيل ما فيه الاعتماد الكثير سفلاً . وقال قوم : هو ما تجمع أجزاؤه كالذهب والحجر ، وقد يكون بكثرة ما حمل كالسحاب الذي يثقل بالماء . وقوله { سقناه لبلد ميت } أي الى بلد ، فالسوق حث الشىء في السير حتى يقع الاسراع فيه ، ساقه يسوقه سوقاً ، واستاقه استياقاً ، وساوقه مساوقة ، وتساوقوا تساوقاً ، وتسوق تسوقاً ، وانساق انسياقاً ، وسوقه تسويقاً . ( والبلد الميت ) هو الذي اندرست مشاربه وتعفت مزارعه . وقوله { فأنزلنا به الماء } الهاء في ( به ) راجعة الى البلد . ويحتمل أن تكون راجعة الى السحاب . وقوله { فأخرجنا به من كل الثمرات } فالهاء في ( به ) يحتمل أن تكون راجعة الى البلد ، ويكون التقدير أخرجنا بهذا البلد . ويحتمل أن تكون راجعة الى الماء ، فكأنه قال فأخرجنا بهذا الماء من كل الثمرات . ويحتمل أن تكون ( من ) للتبعيض . ويحتمل أن تكون لتبيين الجنس . وقوله { كذلك نخرج الموتى } معناه كما أخرجنا الثمرات . كذلك نخرج الموتى بعد موتها بأن نحييها { لعلكم تذكرون } معناه لكي تتذكروا ، وتتفكروا وتعتبروا بأن من قدر على انشاء الاشجار والثمار في البلد الذي لا ماء فيه ولا زرع ، فانه يقدر على أن يحيي الاموات بأن يعيدها الى ما كانت عليه بأن يخلق فيها الحياة والقدرة . واستدل البلخي بهذه الآية على أن كثيرا من الاشياء تكون بالطبع . قال : لأن الله تعالى بين انه يخرج الثمرات بالماء الذي ينزله من السماء ، قال : ولا ينبغي أن ينكر ذلك وإِنما ينكر قول من يقول بقدم الطبائع أو قول من يقول : إِن الجمادات تفعل . فأما من قال : إِن الله تعالى يفعل هذه الأشياء غير أنه يفعلها تارة مخترعة بلا وسائط وتارة بوسائط ، فلا كراهة في ذلك كما تقول في السبب والمسبب ، وهذا الذي ذكره ليس بصحيح ، لأنه إِن اشار بالطبع الى رطوبات مخصوصة ويبوسات مخصوصة ، فلا خلاف في ذلك غير أن هذه الأشياء لا تتولد عنها ذوات أخر ، بل ما يحصل عندها الله تعالى يفعلها مبتدأ ، وليس كذلك السبب والمسبب ، لان السبب الذي يفعل الفعل بها وهو الاعتماد والمجاوزة يوجب التأليف ، وما عدا ذلك فليس فيه شىء تولد أصلاً ، وإِن أراد بالطبع غير هذا المعقول فليس في الآية دلالة على صحته بحال .