Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 6-7)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفاء في قوله { فلنسئلن الذين } عطف جملة على جملة ، وقد يكون لهذا ، وقد يكون لعطف مفرد على مفرد ، وقد يكون للجواب . وانما دخلت الفاء وهي موجبة للتعقيب مع تراخي ما بين الاول والثاني ، وذلك يليق بـ ( ثم ) لتقريب ما بينهما ، كما قال { اقتربت الساعة } وقال { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } وقال { أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم } وبينهما بعد . والنون في قوله { فلنسألن } نون التأكيد يتلقى بها القسم ، وانما بني المضارع مع نون التأكيد ، لانه انما دخلت عليه طلباً للتصديق ، كما ان الامر طلب للفعل فأدخلت عليه نون التأكيد وتثبت مع الفعل ، لان هذه الزيادة التي لا تكون للاسم باعدته كما باعدت الالف واللام ما لا ينصرف من الفعل ، فانصرف . أقسم الله تعالى في هذه الآية انه يسأل المكلفين الذين ارسل اليهم رسله واقسم أيضا انه ليسأل الصادقين المرسلين الذين بعثهم ، فيسأل هؤلاء عن الابلاغ ويسأل اولئك عن الامتثال ، وهو تعالى وان كان عالما بما كان منهم ، فانما أخرجه مخرج التهديد والزجر ليتأهب العباد ويحسنوا الاستعداد لذلك السؤال . وحقيقة السؤال طلب الجواب بأداته في الكلام ، وحقيقة الاستخبار طلب الخبر بأداته في الكلام . وقوله { فلنقصن عليهم بعلم } قسم آخر ، واخبار منه تعالى انه يقص عليهم بما عملوه فانه علم جميع ذلك . وانما ذكره بنون الجمع لاحد أمرين : احدها - ان هذا على كلام العظماء من الملوك لان أفعالهم تضاف الى أوليائهم . والثاني - ان الملائكة تقص عليهم بأمر الله . وقال ابن عباس نقص عليه بما نجده في كتاب عمله . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " ان الله يسأل كل احد بكلامه له ليس بينه وبينه ترجمان " والقص ما يتلو بعضه بعضا . ومنه المقص ، لان قطعه يتلو بعضه بعضا ، ومنه القصة من الشعر ، والقصة من الكتاب ، ومنه القصاص لانه يتلو الجناية في الاستحقاق ، ومنه المقاصة في الحق ، لانه يسقط ما له قصاصا بما عليه . وانما دخلت نون التأكيد مع لام القسم في المضارع دون الماضي ، لانها تؤذن بطلب الفعل الذي تدخل فيه نحو ( لأكرمَنَّ زيداً ) فان فيه طلب الاكرام بأداته ، فالتصديق بالقسم ، ولهذا ألزمت النون في طلب الفعل من جهتين ، وفتحت هذه النون ما قبلها في جمع المتكلم ، ولم تفتحه في الغائب ، لان الضمة يجب ان تبقى لتدل على الواو المحذوفة في ( ليقصنَّ ) بالياء وليس كذلك المتكلم ، لانه لا واو فيه . ومعنى قوله { بعلم } قيل فيه وجهان : احدهما بأنا عالمون ، والآخر بمعلوم ، كما قال { ولا يحيطون بشيء من علمه } أي من معلومه ، ووجه المسألة له والقصص عليهم أنه سؤال توبيخ وتقريع للضالين ، وسؤال تذكير وتنبيه للمؤمنين ، فبمقدار ما يغتم أولئك يسّر هؤلاء . ثم يسأل الرسل لان من الامم من يجحد ، فيقول ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ومنهم من يقول : والله ربنا ما كنا مشركين . فان قيل كيف يجمع بين قوله { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } وقوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم } ؟ قلنا فيه قولان : احدهما - انه نفى ان يسألهم سؤال استرشاد واستعلام وانما يسألهم سؤال توبيخ وتبكيت . الثاني - تنقطع المسألة عند حصولهم في العقوبة ، كما قال { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } وقال في موضع آخر { وقفوهم إنهم مسئولون } والوجه ما قلناه انه يسألهم سؤال توبيخ قبل دخولهم في النار فاذا دخلوها انقطع سؤالهم . والسؤال في اللغة على اربعة اقسام : احدها - سؤال استرشاد واستعلام ، كقولك ؟ اين زيد ؟ ، ومن عندك ؟ وهذا لا يجوز عليه تعالى . والثاني - سؤال توبيخ وتقريع ، وهو خبر في المعنى ، كقولك ألم احسن اليك فكفرت نعمتني ؟ ؟ ألم اعطيك فجحدك عطيتي ؟ ! . ومنه قوله تعالى { ألم أعهد إليكم } وقوله { ألم يأتكم رسل } وقوله { ألم تكن آياتي تتلى عليكم } وقال الشاعر : @ ألستم خير من ركب المطايا واندى العالمين بطون راح @@ ولو كان سائلا لما كان مادحا ، وقال العجاج : @ اطربا وانت قِنسَّرِيٌّ @@ معنى قنسري كبير السن ، وهذا توبيخ لنفسه أي كيف اطرب مع الكبر والشيب . الثالث - سؤال التحضيض وفيه معنى ( ألا ) كقولك : هلا تقوم ، وألا تضرب زيدا أي قم واضرب زيدا . والرابع - سؤال تقرير بالعجز والجهل ، كقولك للرجل : هل تعلم الغيب ؟ وهل تعرف ما يكون غدا ؟ وهل تقدر ان تمشي على الماء ؟ وكما قال الشاعر : @ وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر @@ المعنى وليس يصلح العطار ما أفسد الدهر ، فاذا ثبت ذلك فقوله { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } وقوله { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } المراد به لا يسألون سؤال استعلام واستخبار ليعلم ذلك من قولهم ، لانه تعالى عالم بأعمالهم قبل خلقهم . واما قوله { فنسألن الذي أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } وقوله { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } فهو مسألة توبيخ وتقريع ، كقوله { ألم أعهد إليكم } وسؤاله للمرسلين ليس بتوبيخ ولا تقريع لكنه توبيخ للكفار وتقريع لهم أيضا . واما قوله { فلا أنساب بينهم يؤمئذ ولا يتسائلون } فمعناه سؤال تعاطي واستخبار عن الحال التي جهلها بعضهم لتشاغلهم عن ذلك ، كما قال { لكل امرىء منهم يومنذ شأن يغنيه } وقوله { وأقبل بعضهم على بعض يتسألون } فهو سؤال توبيخ وتقريع وتلاوم ، كما قال { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } وكقوله { أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم } وقوله { ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار } وهذا كثير في القرآن ، وليس في شيء من ذلك تضاد بين المسألتين ، ولا تنافي بين الخبرين بل اثبات لسؤال عن شيء آخر ومثله قول الشاعر : @ فأصبحت والليل لي ملبس واصبحت الارض بحراطما @@ فقوله : واصبحت والليل لي ملبس لم يرد به الصبح ، لانه لو أراد لما نفاه بـ ( والليل لي ملبس ) وانما أراد اصبحت بمعنى اشعلت المصباح وهو السراج أي اسرجت في ظلمة الليل ، فلم يكن خبراه متضادين . وقوله { وما كنا غائبين } فالغائب البعيد عن حضرة الشيء ، ومعناه في الآية انه لا يخفى عليه شيء وذلك يدل على انه ليس بجسم ، لانه لو كان جسما على العرش على ما يذهب اليه المجسمة لكان غائبا عما في الارضين السفلى ، لان من كان دون هذا بكثير فهو غائب عنا .