Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل المدينة وأهل الشام { سال } بغير همز وهو يحتمل أمرين : احدهما - ان يكون من السيل تقول : سال يسيل سيلا فهو سائل ، وسايل واد في جهنم ، كما قال { أعوذ برب الفلق } والفلق جب في جهنم . واجمعوا على همزة { سائل } لانه ولو كان من { سال } بغير همز ، فالياء تبدل همزة إذا وقعت بعد الالف مثل البائع والسائر من ( باع ، وسار ) . والثاني - بمعنى سأل بالهمزة ، لانها لغة يقولون سلت أسال ، وهما يتسالان قال الشاعر : @ سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب @@ فهي لغة أخرى ، وليست مخففة من الهمزة الباقون بالهمز من السؤال الذي هو الطلب . وقرأ الكسائي وحده { يعرج } بالياء ، لان تأنيث الملائكة ليس بحقيقي ، الباقون - بالتاء . وقرأ ابن كثير - في رواية البزي - وعاصم في رواية البرجمي عن ابي بكر { ولا يسأل } بضم الياء . الباقون بفتح الياء اسندوا السؤال إلى الحميم . حكى الله تعالى انه { سأل سائل بعذاب واقع } قال الفراء : الداعي بالعذاب هو النضر بن كلدة أسر يوم بدر وقتل صبراً ، هو وعقبة بن أبي معيط . وقال : تقديره سأل سائل بعذاب { واقع للكافرين } قال ابن : خالويه قال النحويون : إن الباء بمعنى ( عن ) وتقديره : سأل سائل عن عذاب واقع وانشد : @ دع المعمر لا تسأل بمصرعه واسأل بمصقله البكري ما فعلا @@ أي لا تسأل عن مصرعه ، وهذا الذي سأل العذاب الواقع إنما تجاسر عليه لما كذب بالحق ليوهم أنه ليس فيه ضرر ، ولم يعلم انه لازم له من الله . وقال مجاهد : سؤاله فى قوله { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } وقال الحسن : سأل المشركون ، فقالوا : لمن هذا العذاب الذي يذكره محمد ؟ فجاء جوابهم بأنه { للكافرين ليس له دافع } وقيل : معناه دعا داع بعذاب للكافرين ، وذلك الداعي هو النبي صلى الله عليه وآله ، واللام فى قوله { للكافرين } قيل في معناها قولان : أحدهما - إنها بمعنى ( على ) وتقديره سأل سائل بعذاب واقع على الكافرين ، ذهب اليه الضحاك . والثاني - إنها بمعنى ( عن ) أي ليس له دافع عن الكافرين ، وإنما ذكر وعيد الكافر - ها هنا - مع ذكره فى غير هذا الموضع ، لأن فيه معنى الجواب لمن سأل العذاب الواقع ، فقيل له : ليس لعذاب الكافرين دافع ، فاعمل على هذا ، وتقدم نظيره وتأخر ، والدافع هو الصارف للشيء عن غيره باعتماد يزيله ، عنه دفعه عن كذا يدفعه دفعاً ، فهو دافع وذاك مدفوع . وقوله { من الله ذي المعارج } يعني مصاعد الملائكة . وقيل : معناه ذي الفواضل العالية ، فيكون وصفاً لله تعالى ، وتقديره من الله ذي المعالي التي هي الدرجات التي يعطيها أولياءه من الانبياء والمؤمنين فى الجنة ، لانه يعطيهم درجات رفيعة ومنازل شريفة ، والمعارج مواضع العروج ، واحدها معرج ، عرج يعرج عروجاً والعروج الصعود مرتبة بعد مرتبة ، ومنه الأعرج لارتفاع احدى رجليه عن الأخرى وقال قتادة : معنى ذي المعارج ذي الفواضل والنعم ، لأنها على مراتب . وقال مجاهد : هي معارج السماء . وقيل : هي معالي الدرجات التي يعطيها الله تعالى اولياءه فى الجنة . وقال الحسن : معناه ذي المراقي إلى السماء . والذي اقتضى ذكر المعارج البيان عن العقاب الذي يجب ان يخافه ، على خلاف هذا الجاهل الذي سأل العذاب الواقع على من كفر نعمته . وقوله { تعرج الملائكة } معناه تصعد الملائكة { والروح } أي يصعد الروح أيضاً معهم { اليه } والمعنى تعرج الملائكة والروح الذي هو جبرائيل إلى الموضع الذي يعطيهم الله فيه الثواب في الآخرة { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } لعلوّ درجاتهم ، وإنما قال { إليه } لانه هناك يعطيهم الثواب ، كما قال فى قصة إبراهيم { إني ذاهب إلى ربي } أى الموضع الذى وعدني ربي ، وكذلك الموضع الذى وعدهم الله بالثواب فيه . وقيل : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين الف سنة ، وذلك من اسفل الأرضين السبع الى فوق السماوات السبع - ذكره مجاهد - وقوله { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } فهو لما بين السماء الدنيا والارض في الصعود والنزول الف سنة : خمسمائة صعوداً وخمسمائة نزولا - ذكره مجاهد - ايضاً . وقيل : المعنى ان يوم القيامة يفعل فيه من الامور ما لو فعل في الدنيا كان مقداره خمسين الف سنة . وقال قوم : المعنى إنه من شدته وهو له وعظم العذاب فيه على الكافرين كانه خمسون الف سنة ، كما يقول القائل : ما يومنا إلا شهر أي في شدته ، وعلى هذا قول امرء القيس : @ ألا أيها الليل الطويل ألا انجل بصبح وما الإصباح منك بأمثل ويا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل @@ ويؤكد هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما نزلت هذه الآية قيل له ما أطول هذا اليوم ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " والذي بعثني بالحق نبياً إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " وقال الضحاك وقتادة : هو يوم القيامة . وقال الزجاج : يجوز أن يكون { يوماً } من صلة { واقع } فيكون المعنى سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين الف سنة وذلك العذاب يقع يوم القيامة . وقال الحسن : تعرج الملائكة بأعمال بني آدم في الغمام ، كما قال { ويوم تشقق السماء بالغمام } وقال الزجاج : سماه يوماً ، لأن الملائكة تعرجه في مقدار يوم واحد .