Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 11-25)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { نزاعة } - بالنصب - حفص عن عاصم على الحال . الباقون بالضم جعلوه بدلا من ( لظى ) و ( لظى ) اسم من اسماء جهنم معرفة ، و { نزاعة } نكرة فلذلك نصبه حفص على الحال ومن جعلها بدلا من ( لظى ) وتقديره كلا إنها لظى ، كلا إنها نزاعة للشوى ، وضعف أبو علي نصبه على الحال ، قال : لانه ليس في الكلام ما يعمل فى الحال ، ولظى اسم معرفة لا يمكن أن يكون بمعنى التلظي ، فلا يعمل فيه الاعلى وجه ضعيف بأن يقال : مع انها معرفة فمعناها بمعنى التلظي . قال والاجود أن ينصب بفعل آخر ، وتقديره أعني نزاعة . لما وصف الله تعالى القيامة وأهوالها ، واخبر أن الحميم لا يسأل حمياً لشغله بنفسه ، قال { يبصرونهم } قال ابن عباس وقتادة : يعرف الكفار بعضهم بعضاً ، ثم يفر بعضهم عن بعض ، وقال مجاهد : يعرفهم المؤمنون ، وقال قوم : يعرف اتباع الضلال رؤساءهم ، وقول ابن عباس أظهر ، لأنه عقيب ذكر الكفار . وقال هو كناية ينبغي ان يرجع اليهم . وقوله { يودّ المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه } أى يتمنى العاصي ، فالمودة مشتركة بين التمنى وبين المحبة تقول : وددت الشيء إذا تمنيته ووددته إذا احببته أود فيهما جميعاً ، وصفة ودود من المحبة . وقوله { لو يفتدي } ، فالافتداء افتداء الضرر عن الشيء يبدل منه ، فهؤلاء تمنوا سلامتهم من العذاب النازل بهم باسلام كل كريم عليهم . والفرق بين { يود لو يفتدي } و { يود أن يفتدي } أن ( لو ) تدل على التمني من جهة أنها لتقدير المعنى ، وليس كذلك ( أن ) لانها لاستقبال الفعل و ( لو ) للماضي ، فلما كان الاعتماد على تصور المعنى صار في حكم الواقع ، فلو قال قائل : حسبت أن يقوم زيد ، لما دل على التمنى ، ولو قال حسبت لو يقوم زيد لدل على التمني فبان الفرق بينهما . وقوله { ببنيه } يعني بأولاده الذكور { وصاحبته } يعني زوجته { وأخيه } يعني ابن أبيه وأمه { وفصيلته التي تؤويه } فالفصيلة هي المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى ابوة خاصة ، وهي الجماعة التي ترجع إلى أبوة خاصة عن ابوة عامة { ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه } أى يتمنى هذا الكافر بان يتخلص من بعذاب الله بأن يفتدى بهؤلاء كلهم ، فقال الله تعالى { كلا } أى ليس ينجيه من عقاب الله شيء وقال الزجاج { كلا } ردع وتنبيه أى لا ينجيه احد من هؤلاء فارتدعوا . وقوله { إنها لظى } فلظى اسم من اسماء جهنم مأخوذ من التوقد ، ومنه قوله { فأنذرتكم ناراً تلظى } وموضع { لظى } رفع ، لأنها خبر ( ان ) و { نزاعة للشوى } خبر آخر - على قول من رفع - ومن نصب جعله حالا ، ويجوز أن تكون الهاء في { إنها } عماداً ، و { لظى } ابتداء وخبرها { نزاعة } إذا رفع ، قال الزجاج : ويجوز أن يكون كقولهم : هذا حلو حامض ، وتقديره النار لظى ، وهي انزاعة ايضاً . ومعنى نزاعة كثيرة النزع وهو اقتلاع عن شدة . والاقتلاع أخذ بشدة اعتماد ، والشوى جلدة الرأس . والشوى الكوارع والاطراف ، والشوى ماعدا المقتل من كل حيوان ، يقال : رمى فأشوى إذا اصاب غير المقتل ، ورمى فأصمى إذا اصاب المقتل ، ومنه الشوي ، لان النار تأخذ الجلدة والاطراف بالتغير . والشوى الخسيس من المال . وقيل : ان جهنم تنزع جلدة الرأس واطراف البدن ، والشوى جمع شواة قال الاعشى : @ قالت قتيلة ماله قد حللت شيباً شواته @@ وقال ابن عباس : نزاعة للشوى للجلد وأم الراس . وقال ابو صالح : لحم الساق ، وقال قتادة : الهام والاطراف . وقال الفراء : كل ما كان غير مقتل فهو شوى . وقال ابو عمر الدوري : كان الكسائي لا يقف على ( كلا ) فى شيء من القرآن إلا على هذين فى هذه السورة . وقال ابن خالويه : أعلم أن فى القرآن ثلاثاً وثلاثين موضعاً { كلا } فليس فى النصف الأول منه شيء ، فمن وقف عليه جعله رد للكلام . ومن لم يقف جعله بمعنى حقاً ، قال الشاعر : @ يقلن لقد بكيت فقلت كلا وهل تبكي من الطرب الجليد @@ فالطرب خفة تصيب الانسان لشدة الخوف قال الشاعر : @ وأراني طرباً فى أثرهم طرب الواله أو كالمختبل @@ وقال فى السرور : @ اطربا وأنت قنسري والدهر بالانسان دواري @@ يقول أطربا وأنت شيخ . وقوله تعالى { تدعو من أدبر وتولى } قيل فى معناه قولان : احدهما - إنه لا يفوت هذه النار كافر ، فكأنها تدعوه فيجيبها كرها . والثاني - ان يخرج لسان من النار فيتناوله كأنها داعية بأخذها ، وهو كقوله { تكاد تميز من الغيظ } وقال الفراء : وغيره : إن النار تدعو الكافر والفاسق ، فتقول إليّ اليّ ، وهذا يجوز إذا فعل الله تعالى فيها الكلام ، ويضاف اليها مجازاً . وقال قتادة : تدعو من أدبر وتولى عن طاعة الله . وقال مجاهد : من تولى عن الحق وقيل : معناه تدعو زبانيتها من أدبر وتولى عن طاعة الله . وقوله { وجمع فأوعى } معناه عمل فجمع المال فى الدنيا وأدبر عن الحق وتولى ، فالنار تدعوه بما يظهر فيها من انه أولى بها . وقال مجاهد { جمع } المال { فأوعى } ولم يخرج حق الله منه ، فكأنه جعله فى وعاء على منع الحقوق منه . وقوله { إن الإنسان خلق هلوعاً } اخبار منه تعالى بان الانسان خلق هلوعاً والهلوع هو الشديد الحرص ، الشديد الجزع من الضجر - فى قول ابن عباس وعكرمة - وقيل : معناه خلق ضعيفاً عن الصبر على الجزع والهلع ، لانه لم يكن في ابتداء خلقه يهلع ولا يجزع ولا يشعر بذلك حال الطفولية ، وإنما جاز ان يخلق الانسان على هذه الصفة المذمومة ، لانها تجري مجرى خلق سهوه القبيح ليجتنب المشتهى ، لان المحنة في التكليف لا تتم إلا بمنازعة النفس إلى القبيح ليجتنب على وجه الطاعة لله تعالى ، كما لا يتم إلا بتعريف الحسن من القبيح في العقل ليجتنب أحدهما ويفعل الآخر { إذا مسه الشر جزوعاً } لو كان منقطعاً عن الاول لكان مرفوعاً ، والجزع ظهور الفزع بحال تنبئ عنه { وإذا مسه الخير منوعاً } معناه إذا نال الانسان الخير والسعة فى الدنيا منع حق الله فيه من الزكاة وغيرها مما فرض الله عليه ، فالمس الملاقاة من غير فعل ، ويقال : مسه يمسه ، وتماسا إذا التقيا من غير فعل ، وماسه مماسة . والمنع هو القطع عن الفعل بما لا يمكن وقوعه معه ، وهو على وجهين : احدهما - منع القادر ان يفعل . والآخر - منع صاحب الحق أن يعطى حقه . والبخل منع الحق صاحبه . لما وصف الله تعالى الانسان بالصفات المذمومة اسنثنى من جملتهم من لا يستحق الذم ، لان الانسان عبر به عن الناس ، فهو لعموم الجنس ، كما قال { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين } وكذلك - ها هنا - قال { إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون } ومعناه الذين يستمرون على اداء الصلاة التي أوجبها الله عليهم لا يخلون بها ولا يتركونها . وروي عن أبي جعفر عليه السلام أن ذلك فى النوافل يديمون عليها وقوله { والذين هم على صلواتهم يحافظون } فى الفرائض والواجبات { والذين في أموالهم حق معلوم } فالحق وضع الشيء في موضعه على ما يقتضيه العقل والشرع من قولهم : حق الشيء يحق حقاً ، وحقه كقولك تحققه . والمال عبارة في الشرع عن مقدار معين من العين أو الورق يتعلق به وجوب الزكاة واكثر ما يستعمل في اللغة في المواشي من الابل والبقر والغنم . وقال ابن عباس : الحق المعلوم هو البرّ الذي يخرج في صدقة أو صلة رحم . وقال قتادة : هو الزكاة المفروضة { للسائل والمحروم } والسائل هو الذي يسأل ويطلب . والمحروم ، قال ابن عباس : هو المحارف وقال الحسن : هو الذي حرم أن يعطى الصدقة بتركه المسألة . وقيل : هو الذي قد حرم الرزق وهو لا يسأل الناس . وقوله { عذاب يومئذ } قرئ بالفتح والكسر من { يومئذ } فمن كسر الميم فعلى أصل الاضافة ، لان الذي أضيف اليه الاول مخفوض أيضاً بالاضافة فهذا مضاف إلى مضاف . ومن فتح فلأنه مضاف إلى غير متمكن مضاف إلى ( إذ ) و ( إذ ) مبهمة ومعناه يوم إذ يكون كذا ويكون كذا فلما كانت مبهمة وأضيف اليها بني المضاف اليها على الفتح وانشد : @ لم يمنع الشرب منها غير ان نطقت حمامة في غصون ذات او قال @@ لما اضاف ( غير ) إلى ( ان ) بناها على الفتح ، وهي في موضع رفع ، وروي ( غير أن ) نطقت بالرفع .