Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-44)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ { نصب } بضمتين أهل الشام ، وحفص عن عاصم ، وسهل ، على انه جمع { نصب } مثل رهن ورهن - فى قول ابي عبيدة - وقال غيره : هما لغتان ، مثل ضَعف وضُعف . الباقون بفتح النون خفيفة . والنصب الصنم الذي كانوا يعبدونه ، سمي بذلك . وقيل : النصب نصب الصنم الذى كانوا يعبدونه . وقيل : معناه إلى علم يسبقون اليه قد نصب لهم . وقرأ الاعشى { يخرجون } بضم الياء . الباقون بفتحها أضافوا الخروج اليهم . يقول الله تعالى على وجه الانكار على الكفار { فما للذين كفروا } ومعناه أى شيء للذين كفروا بتوحيد الله وجحدوا نبوتك { قبلك مهطعين } أى نحوك مسرعين - في قول ابي عبيدة - وقال الحسن : معناه منطلقين . وقال قتادة : عامدين وقال ابن زيد : معناه لا يطرقون أى شاخصون . وجميع ذلك بمعنى الاسراع الى الشيء ، فمرة بتشوقه ومرة بقصده ومرة بشخوصه . وقال الزجاج : المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله ، وذلك من نظر العدو ، وإنما أنكر عليهم الاسراع اليه لانهم أسرعوا اليه ليأخذوا الحديث منه ثم يتفرقون عزين بالتكذيب عليه - ذكره الحسن - وقيل : أسرعوا اليه شخوص المتعجب منه . وقيل : أسرعوا اليه لطلب عيب له . وقيل : معناه فما للذين كفروا مسرعين فى نيل الجنة مع الاقامة على الكفر والاشراك بالله فى العبادة . وقوله { عن اليمين وعن الشمال عزين } قال ابن عباس : عن اليمين والشمال معرضين يستهزؤن ، ومعنى { عزين } جماعات فى تفرقة نحو الكراريس واحدهم عزة ، وجمع بالواو والنون ، لأنه عوض مما حذف منه ، ومثله سنة وسنون . وأصل عزة عزوة من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره ، وكل واحدة من هذه الجماعة مضافة إلى الاخرى ، وقال الراعي : @ أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا @@ وقوله { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم } فمن ضم الياء ، وهم أكثر القراء جعل الفعل لما لم يسم فاعله . وفتح الحسن الياء لانهم إذا أدخلوا فقد دخلوا . ومعنى الآية الانكار عليهم قولهم : إن دخل أصحاب محمد الجنة ، فانا ندخلها قبلهم لا محالة ، فقيل وأي شيء لكم عند الله يوجب هذا ؟ ولم تحتقرون هؤلاء ؟ وقد خلقناهم جميعاً مما يعلمون أي من تراب . وقوله { كلا إنا خلقناهم مما يعلمون } قال الحسن : خلقناهم من النطفة ، وقال قتادة : إنما خلقت من قذر يا بن آدم فاتق الله . وقال الزجاج : أي من تراب ، ثم من نطفة ، فأي شيء لهم يدخلون به الجنة ، وهم لك على العداوة ، وهذا حجاج لأن خلقهم من ماء مهين يقتضى أنهم خلقوا للعبادة ، فجعل فى خلقهم من هذا عبرة ، ولولا ذلك لابتدأهم فى نعيم الجنة ، ولم يكن لتنقلهم فى الصور والاحوال معنى فى الحكمة ، وقال بعضهم : المعنى خلقناهم من الذين يعلمون أو من الخلق أو الجنس الذي يعلمون ويفقهون ، وتلزمهم الحجة ، ولم يخلقهم من الجنس الذى لا يفقه كالبهائم والطير ، وإنما قال { مما يعلمون } فجمع ، لأنه قال قبل ذلك { خلقناهم } فجمع { يعلمون } ووجه أخر وهو أنه خلقهم من أجل ما يعلمون من الثواب والعقاب والتكليف للطاعات تعريضاً للثواب ، كما يقول القائل : غضبت عليك مما تعلم أى من أجل ما تعلم قال الاعشى : @ أأزمعت من آل ليلى ابتكاراً وشطت على ذى هوى أن تزاوا @@ على انه لم يزمع من عندهم ، وإنما أزمع من أجلهم للمصير اليهم . وقوله { فلا أقسم برب المشارق والمغارب } قسم من الله تعالى برب المطالع والمغارب ، و ( لا ) مفخمة وقد بينا القول فى ذلك . وقال ابن عباس : الشمس لها ثلثمائة وستون مطلعاً كل يوم مطلع لا تعود اليه إلا إلى قابل . وقوله { إنا لقادرون } جواب القسم وفيه إخبار من الله تعالى بأنه قاد { على أن نبدل } بالكفار { خيراً منهم } فالتبديل تصبير الشيء موضع غيره ، بدله تبديلا وأبدله إبدالا ، والبدل الكائن فى موضع غيره . وقوله { وما نحن بمسبوقين } عطف على جواب القسم ، ومعناه إن هؤلاء الكفار لا يفوتون بأن يتقدموا على وجه يمنع من لحاق العذاب بهم فلم يكونوا سابقين ، ولا العقاب مسبوقاً منهم ، فالسبق نقدم الشيء في وقت قبل وقت غيره . والتقدير وما نحن بمسبوقين بفوت عقابنا إياهم ، وَكأنه لوفاتهم عقابنا لكنا قد سبقنا ، وما نحن بمسبوقين . وقيل : معناه وما أهل سلطاننا بمسبوقين . وقيل : وما نحن بمغلوبين بالفوت . ثم قال على وجه التهديد لهم بلفظ الامر للنبي صلى الله عليه وآله { فذرهم } أي اتركهم { يخوضوا ويلعبوا } فان وبال ذلك عائد عليهم والعقاب المستحق على كفرهم حال بهم ، واللعب عمل للترويج عن النفس بما هو حقير في العقل ، كلعب الصبيان ومن جرى مجراهم من ناقصي العقل ، ولا يجوز من الحكيم أن يفعل اللعب لغيره ، لانه عمل وضيع في الحكمة { حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } ومعناه حتى يروا اليوم الذي يوعدون فيه بالعقاب على المعاصي والثواب على الطاعات ثم بين صفة ذلك اليوم ، فقال { يوم يخرجون من الأجداث } يعني من القبور وأحدها جدث وجدث . ونصب { سراعاً } على الحال ، ومعناه مسرعين { كأنهم إلى نصب يوفضون } شبههم في اسراعهم من قبورهم إلى أرض المحشر بمن نصب له علم أو صنم يستبقون اليه ، والايفاض الاسراع أوفض يوفض ايفاضاً إذا أسرع قال رؤبة . @ يمشي بنا الجد على أوفاض @@ إى على عجلة . والنصب نصب الصنم الذى كانوا يعبدونه . وقيل اسم الصنم نصب وجمعه نصب مثل رهن ورهن - في قول ابي عبيدة - وأنشد الفراء في الايفاض : @ لأنعتن نعامة ميفاضا خرجاء ظلت تطلب الافاضا @@ فخرجاء ذات لو نبن ، ويقال للقميص المرقع برقعة حمراء أخرج ، لانه خرج عن لونه ، والافاض طلب ملجأ يلجأ اليه ، وقال بشر بن ابي حازم : @ أهاجك نصب أم بعينك منصب @@ وقال الاعشي : @ وذا النصب المنصوب لا تنسكنه لعافية والله ربك فاعبدا @@ وقوله { خاشعة أبصارهم } أى ذليلة خاضعة { ترهقهم ذلة } أى يغشاهم ويركبهم ذل وصغار وخزي لما يرون نفوسهم مستحقة للعقاب واللعن من الله . ثم قال تعالى { ذلك هو اليوم الذي كانوا يوعدون } به في دار التكليف فلا يصدقون به ويجحدونه ، وقد شاهدوه في تلك الحال . وقوله { إنا لقادرون على أن نبدل خيراً منهم } لا يدل على أنه تعالى قادر على ان يبدل بالكفار من هو خيراً منه ولم يخلقهم ، فيكون قد أخل بالاصلح لأنه اخبر عن انه قادر على خير منهم وقد خلق قوماً آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وبذلوا نفوسهم وأموالهم .