Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 26-35)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ { شهاداتهم } على الجمع حفص ويعقوب وعياش وسهل ، لاختلاف الشهادات . الباقون { بشهادتهم } على التوحيد ، لانه لفظ جنس يقع على القليل والكثير . وقرأ ابن كثير وحده { لأمانتهم } على التوحيد ، لانه اسم جنس . الباقون على الجمع لاختلاف الأمانات . عطف الله تعالى على صفات المؤمنين وزاد في مدحهم ، فقال { والذين يصدقون بيوم الدين } أي يؤمنون بأن يوم الجزاء والحساب يوم القيامة حق ، ولا يشكون في ذلك ، والتصديق الاقرار بأن الخبر صادق ، فلما كان المؤمنون قد أقروا ان كل من اخبر بصحة يوم الدين فهو صادق ، كانوا مصدقين به ، فأما المصدق بيوم الدين تقليداً ، فمن الناس من قال : هو ناج . ومنهم من قال : لا يطلق عليه مصدق بيوم الدين ، لأنها صفة مدح ، وذلك أنه من أخلص هذا المعنى على جهة الطاعة لله تعالى به استحق المدح والثواب ، والمقلد عاص بتقليده ، لانه لا يرجع فيه إلى حجة ، وقوله { والذين هم من عذاب ربهم مشفقون } فالاشفاق رقة القلب عن تحمل ما يخاف من الأمر ، فاذا قسا قلب الانسان بطل الاشفاق ، وكذلك إذا أمن كحال أهل الجنة إذ قد صاروا إلى غاية الصفة بحصول المعارف الضرورية . وقيل : من اشفق من عذاب الله لم يتعد له حداً ولم يضيع له فرضاً . وقوله { إن عذاب ربهم غير مأمون } اخبار منه تعالى بأن عذاب الله لا يوثق بأنه لا يكون ، بل المعلوم أنه كائن لا محالة . والمعنى إن عذاب الله غير مأمون على العصاة ، يقال : فلان مأمون على النفس والسر والمال ، وكل ما يخاف انه لا يكون ، ونقيضه غير مأمون . وقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } ومعناه إنهم يمنعون فروجهم على كل وجه وسبب إلا على الازواج وملك الايمان فكأنه قال : لا يبذلون الفروج إلا على الازواج أو ملك الايمان ، فلذلك جاز ان يقول { حافظون إلا على أزواجهم } وهم حافظون لها على الازواج ، فانما دخلت { إلا } للمعنى الذي قلناه ، وقال الزجاج تقديره : إلا من أزواجهم فـ { على } بمعنى ( من ) او تحمله على المعنى ، وتقديره فانهم غير ملومين على أزواجهم ويلامون على غير أزواجهم ، وقال الفراء : لا يجوز أن تقول : ضربت من القوم إلا زيداً ، وانت تريد إلا أني لم اضرب زيداً . والوجه فى الآية أن نحملها على المعنى ، وتقديره والذين هم لفروجهم حافظون ، فلا يلامون إلا على غير أزواجهم . ومثله أن يقول القائل : أصنع ما شئت إلا على قتل النفس ، فانك غير معذب ، فمعناه إلا إنك معذب في قتل النفس . وقوله { فإنهم غير ملومين } أي لا يلامون هؤلاء إذا لم يحفظوا فروجهم من الازواج ، وما ملكت أيمانهم من الاماء على ما أباحه الله لهم . ثم قال { فمن ابتغى وراء ذلك } ومعناه فمن طلب وراء ما أباحه الله له من الفروج إما بعقد الزوجية أو بملك اليمين { فأولئك هم العادون } الذين تعدوا حدود الله وخرجوا عما أباحه الله لهم فالابتغاء الطلب ومعنى { وراء ذلك } ما خرج عن حده من أي جهة كان ، وقد يكون وراءه بمعنى خلفه نقيض أمامه إلا أنه - ها هنا - الخارج عن حده كخروج ما كان خلفه . والعادي الخارج عن الحق ، يقال : عدا فلان فهو عاد إذا اعتدى ، وعدا فى مشيه يعدو عدواً إذا أسرع فيه ، وهو الاصل . والعادي الظالم بالاسراع إلى الظلم . وقوله { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } فالامانة المعاقدة بالطمأنينة على حفظ ما تدعو اليه الحكمة . وقيل : الأمانة معاقدة بالثقة على ما تدعو اليه الحكمة . وقد عظم الله أمر الامانة بقوله { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان } ومن وحد لفظ الامانة ، فلانها للجنس تقع على القليل والكثير ، ومن جمع أراد اختلاف ضروبها . وقال قوم : المراد بالأمانة الايمان وما أخذه الله على عباده من التصديق بما أوجب عليهم والعمل بما يجب عليهم العمل به ، ويدخل فى ذلك الايمان وغيره ، وقوله { راعون } معناه حافظون . وقوله { والذين هم بشهاداتهم قائمون } مدح للمؤمنين بأنهم يقيمون الشهادة التي يلزمهم إقامتها . ومن وحد لفظ الشهادة ، فكما قلناه فى الامانة سواء ، والشهادة الاخبار بالشيء على أنه على ما شاهده ، وذلك أنه يكون عن مشاهدة للخبر به ، وقد يكون عن مشاهدة ما يدعو اليه . وقوله { والذين هم على صلاتهم يحافظون } وصف لهم بأنهم يحافظون على صلاتهم فلا يضيعونها وقيل إنهم يحافظون على مواقيتها فلا يتركونها حتى تفوت ثم قال { أولئك } يعني المؤمنين الذين وصفهم بالصفات المتقدمة { في جنات } أي بساتين يجنها الشجر { مكرمون } أي معظمون مبجلون بما يفعل بهم من الثواب والاكرام وهو الاعظام على الاحسان ، والاكرام قد يكون بالاحسان ، وقد يَكون بكبر الشأن فى صفة العالم القادر الغني الذي لا يجوز عليه صفات النقص ، فالاعظام بالاحسان وبكبر الشأن في أعلى المراتب لله تعالى لا يستحقه سواه .