Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 11-20)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة ويعقوب وسهل { يسلكه } بالياء بمعنى يسلكه الله . الباقون بالنون على وجه الاخبار منه تعالى عن نفسه بنون العظمة . وقرأ ابو جعفر وعاصم وحمزة { قل إنما أدعوا ربي } بلفظ الامر . الباقون { قال } على فعل ماض . وقرأ هشام بن عماد عن ابن عامر { لبداً } بضم اللام . الباقون بكسر اللام . واللبد واللبد بمعنى واحد ، وجمع اللبدة لبد ، مثل ظلمة وظلم . ويقال : لا بد ولبد ، مثل رَاكع وركِع . يقول الله تعالى في تمام الحكاية عما قالته الجن الذين آمنوا عند سماع القرآن فانهم قالوا { وإنا منا الصالحون } وهم الذين عملوا الصالحات وسمي صالحاً ، لأنه عمل ما يصلح به حاله في دينه . وأما المصلح فهو فاعل الصلاح الذي يقوم به أمر من الأمور ، ولهذا وصف تعالى بأنه مصلح ، ولم يجز وصفه بأنه صالح . والصلاح يتعاظم استحقاق المدح عليه والثواب كما يختلف استحقاق الشكر بالنعم ، ففي النعم ما يستحق به العبادة وفيها ما لا يستحق به ذلك وإن استحق به الشكر ، فلذلك قال { ومنادون ذلك } والمعنى ان منا الصالحين في مراتب عالية ومنادون ذلك في الرتبة . وقوله { كنا طرائق قدداً } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني على مذاهب مختلفة : مسلم ، وكافر ، وصالح ، ودون الصالح . والطرائق جمع طريقة وهي الجهة المستمرة مرتبة بعد مرتبة . والمعنى فيها إنا كنا في طرق مختلفة . والقدد جمع قدة . وهي المستمرة بالقد في جهة واحدة . والقدد مضمن بجعل جاعل ، وهو القادّ ، وليس كذلك الطريقة في تضمن الصفة ، وإنما هي كالمذهب الذي يمكن فيه على استمرار الى حيث انتهى اليه . والمعنى إنا كنا على طرائق متباينة كل فرقة يتباين صاحبها كما بين المقدود بعضه من بعض . وقوله { وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض } فالظن - ها هنا - بمعنى العلم والمعنى اعترافهم بأن علموا أنه لا يفوت الله شيء يذهب في الارض ، ولا إذا هرب منه بسائر ضروب الهرب ، واعترفوا ايضاً فقالوا { وإنا لما سمعنا الهدى } يعنون القرآن الذي فيه هدى كل حي { آمنا به } أي صدقناه . ثم قالوا { فمن يؤمن بربه } أي من يصدق بتوحيد الله وعرفه على صفاته { فلا يخاف بخساً } أي نقصاناً فيما يستحقه من الثواب { ولا رهقاً } أي ولا يخاف ظلماً ، فالرهق لحاق السرف فى الامر ، وكأنه قال لا يخاف نقصاً قليلا ولا كثيراً ، وذلك أن اجره وثوابه موفر على أتم ما يكون فيه . وقال ابن عباس : معناه لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة فى سيئاته ، وهو قول الحسن وقتادة وابن زيد ، والتقدير فمن يؤمن بربه فانه لا يخاف ثم قالوا ايضاً { وإنا منا المسلمون } يعني الذين استسلموا لما أمرهم الله به ، وانقادوا له { ومنا القاسطون } يعني الجائرون عن طريق الحق . والقاسط الجائر عن طريق الحق { فمن أسلم } أي استسلم لأمر الله { فأولئك تحروا رشداً } أي طلبوا الهدى إلى الحق ، { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً } أي استحقوا بذلك أن يكونوا وقود النار يوم القيامة يحرقون بها . وقوله { وأن لو استقاموا على الطريقة } اخبار من الله تعالى عن نفسه . وقيل ( ان ) يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة ، فيكون محمولا على الوحي ، فكانه قال { أوحي إلي أن لو استقاموا } وفصل لو بينها وبين الفعل ، كما فصل ( السين ) و ( لا ) فى قوله { علم أن سيكون منكم مرضى } قوله { أن لا يرجع إليهم } ويحتمل أن تكون ( لو ) بمنزلة اللام في قوله { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم } فيسقط مرة ويلحق أخرى ، لان ( لو ) بمنزلة فعل الشرط ، فكما لحقت اللام زائدة قبل ( إن ) الداخلة على الشرط قبل فعل الشرط ، كذلك لحقت ( أن ) هذه قبل ( لو ) ومعنى { وأن لو استقاموا } أحد أمرين : احدهما - لو استقاموا على طريقة الهدى بدلالة قوله { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } وقوله { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا } الثاني - لو استقاموا على طريقة الكفر بدلالة قوله { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة } وقيل : انه دخلت ( ان ) في { وأن لو استقاموا } لانه جواب القسم . ويجوز أن يحذف ، كما قال الشاعر : @ فأقسم لوَ شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا @@ وقال آخر : @ اما والله إن لو كنت حراً وما بالحر انت ولا العتيق @@ والاستقامة الاستمرار في جهة العلو . والمستقيم من الكلام المستمر على طريقة الصواب . وهو نقيض المحال . والاستقامة على طريق الحق التي يدعو اليها العقل طاعة الله . والمعنى - ههنا - في قول أكثر المفسرين : إنه لو استقام العقلاء على طريقة الهدى استمروا عليها وعملوا بموجبها لجازاهم على ذلك بأن اسقاهم ماء غدقاً ، يعني كثيراً . والغدق بفتح الدال المصدر ، وبكسرها اسم الفاعل ، وفي ذلك ترغيب فى الهدى . قال الفراء : معناه وأن لو استقاموا على طريقة الكفر لفعلنا بهم ما ذكرناه تغليظَا للمحنة فى التكليف ، ولذلك قال { لنفتنهم فيه } أي نختبرهم بذلك ونبلوهم به . وغدق المكان يغدق غدقاً إذا كثر فيه الماء والندى ، وهو غدق - فى قول الزجاج - وقوله { لنفتنهم فيه } معناه لنختبرهم ونعاملهم معاملة المختبر فى شدة التعبد بتكليف الانصراف عما تدعو شهواتهم اليه ، على ما تقتضيه الحكمة فى ذلك والفتنة المحنة الشديدة ، والمثوبة على قدر المشقة فى الصبر عما تدعوا اليه الشهوة . ثم قال تعالى مهدداً لهم ومتوعداً { ومن يعرض عن ذكر ربه } والمعنى من يعدل عن الفكر فيما يؤديه الى معرفة الله وتوحيده واخلاص عبادته ، فالذكر حضور المعنى الدال على المذكور للنفس ، وضده السهو ، ومثله حضور المعنى بالقلب . والفكر في وجوه السؤال عن المعنى طلب للذكر له . والفكر فى البرهان طلب للعلم بصحة المعنى المذكور وأنه حق ونقيضه باطل . وقوله { يسلكه عذباً صعداً } اى متصعداً في العظم . وقيل : متصعداً قد غمره وأطبق عليه . ومعناه عذباً أشهد العذاب من قوله { سأرهقه صعوداً } فاما قول العرب : تنفس الصعداء على وزن ( فعلاء ) أكثر كلامهم ، ومنه قيل تنفس صعداً على وزن غرب والصعود العقبة الشاقة . وقال الفراء : الصعود صخرة ملساء في النار ويكلف الصعود عليها ، فكلما بلغ رأسها أحد هوى الى أسفلها وقوعاً . وقوله { وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً } عطف عند جميع المفسرين على قوله { أوحي } كأنه قال : أوحي الي أن المساجد لله ، وقال الخليل : التقدير ، ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً مثل قوله { وإن هذه أمتكم } وتقديره : ولأن هذه أمتكم { أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } والمعنى الاخبار منه تعالى بأن لا يذكر مع الله في المساجد - وهي المواضع التي وضعت للصلاة - أحد على وجه الاشتراك في عبادته ، كما يدعوا النصارى في بيعهم والمشركون في الكعبة . وقال الحسن : من السنة إذا دخل المسجد أن يقول : لا إله الا الله ، لا أدعو مع الله أحداً . وقيل : معناه إنه يجب أن يدعوه بالوحدانية . وقال الفراء والزجاج : المساجد مواضع السجود من الانسان : الجبهة ، واليدان ، والرجلان وزاد أصحابنا عيني الركبتين . والمعنى إنه لا ينبغي أن يسجد بهذه الاعضاء لأحد سوى الله تعالى . وقوله { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً } معناه إنه لما قام محمد صلى الله عليه وآله يدعو الله ، فيقول : لا إله الا الله كادوا يكونون عليه جماعات متكاثفات بعضها فوق بعض ليزيلوه بذلك عن دعوته باخلاص الالهية . وقال ابن عباس والضحاك : معناه إن الجن كادوا يركبونه حرصاً على سماع القرآن منه . وقال الحسن وقتادة : معناه تلبدت الانس والجن على هذ الامر ليطفئوه فابي الله الا أن ينصره ويظهره على من ناواه ، كما قال { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } وقال ابن عباس : هذا من قول الجن ، لما رجعوا الى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله وإئتمامهم به في الركوع والسجود ، وهو قول سعيد بن جبير : واللبد القطع المتكاثفة على الشيء واحدها لبد ، ومنه اللبد لتكاثف صفوفه بعضه على بعض . ولبد رأسه إذا ألصق بعض شعره ببعض قال عبد مناف بن ربع : @ صابوا بستة أبيات واربعة حتى كأن عليهم جابياً لبدا @@ فالجابي الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله . ثم حكى ان النبي صلى الله عليه وآله قال { إنما أدعوا ربي } ومن قرأ { قل } فمعناه إن الله أمره بأن يقول : إنما أدعو ربي وحده ولا أشرك به أحداً من الاصنام والاوثان . والمعنيان متقاربات ، لأن الله تعالى إذا أمره بأن يقول فانه يقول لا محالة فقد حصل الامران .