Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الفراء : قرأ حوبة بن عابد { قل أحي إلي } أراد وحي اليّ مثل وعد فقلبت الواو همزة ، كما قلبها فى قوله { وإذا الرسل أقتت } وأصله وقتت . والعرب تقول : وحيت اليه ، واوحيت بمعنى واحد وومأت اليه وأومات ، قال الراجز : @ وحى لها القرار فاستقرت @@ وقرأ ابن كثير وابو عمرو { قل أوحي إلي أنه استمع } و { أن لو استقاموا } { وأن المساجد لله } و { أنه لما قام عبد الله } أربعة أحرف - بفتح الالف - والباقي من أول السورة الى ها هنا بكسر الالف . وقرأ نافع وعاصم فى رواية أبي بكر كذلك ، إلا قوله { وأنه لما قام عبد الله } فانه قرأ بالكسر . الباقون بفتح جميع ذلك إلا ما جاء بعد ( قول ) او ( فاء جزاء ) فانهم يكسرونه . من فتح جميع ذلك جعله عطفاً علي { أوحي إليّ أنه } وأنه . ومن كسر عطف على قوله { إنا } وإنا . قال قوم : ومن نصب فعلى تقدير آمنا به وبكذا فعطف عليه . قال الزجاج : إن عطف على الهاء كان ضعيفاً ، لان عطف المظهر على المضمر ضعيف ، ومن جعله مفعول { آمنا } فنصبه به كأنه قال : آمنا بكذا وكذا ، وأسقط الباء فنصب على المعنى ، لأن معنى { آمن } صدق ، فكأنه قال : صدقنا بكذا وكذا ، وحذف الجار . ومن كسر من هؤلاء بعد القول أو فاء الجزاء ، فلأنه لا يقع بعد القول والفاء إلا ما هو ابتداء ، أو ما هو فى حكم الابتداء . ومن كسر جميع ذلك جعله مستأنفاً ، ولم يوقع { آمنا } عليه ، وما نصب من ذلك جعله مفعولا بايقاع فعل عليه . فأما قوله { أوحي إلي أنه استمع } فمفعول { أوحي } لا غير بلا خلاف . وقرأ ابو جعفر { أن لن تقوّل الإنس } على معنى تكذب . الباقون بتخفيف الواو من القول . يقول الله تعالى آمراً لمحمد نبيه صلى الله عليه وآله { قل } يا محمد لقومك ومن بعثت اليه { أوحي إلي } فالايحاء القاء المعنى إلى النفس خفياً كالالهام ، وانزال الملائكة به لخفائه عن الناس إلا على النبي الذي انزل اليه كالايماء الذي يفهم به المعنى . والمراد - ها هنا - انزال الملك به عليه . ثم بين ما أوحي اليه فقال { انه استمع نفر من الجن } فالاستماع طلب سماع الصوت بالاصغاء اليه ، وهو تطلب لفهم المعنى ، وتطلب ليستدل به على صاحبه . وقيل : ان الجن لما منعوا من استراق السمع طافوا فى الارض ، فاستمعوا القرآن ، فآمنوا به ، فانزل بذلك الوحي على النبي صلى الله عليه اله ذكره ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم . والنفر الجماعة . والجن جيل رقاق الاجسام خفية على صور مخصوصة بخلاف صورة الملائكة والناس . وقيل : العقلاء من الحيوان ثلاثة اصناف : الملائكة ، والناس ، والجن . والملك مخلوق من النور ، والانس من الطين والجن من النار . ثم ذكر انه قالت الجن بعضها لبعض { إنا سمعنا قرآناً عجباً } والعجب هو كل شيء لا يعرف سببه . وقيل : هو ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة فى مثله ، فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه عن العادة فى الكلام ، وخفي سببه عن الأنام كان عجباً . وقوله { يهدي إلى الرشد } حكاية ما قالت الجن ووصفت به القرآن ، فانهم قالوا : هذا القرآن يهدي إلى ما فيه الرشاد والحق { فآمنا به } أي صدقنا بأنه من عند الله { ولن نشرك } فيما بعد { بربنا أحداً } فنوجه العبادة اليه بل نخلص العبادة له تعالى { وأنه تعالى جدّ ربنا } من كسر الهمزة عطفه على قوله { إنا سمعنا } وحكى أنهم قالوا ( إنه ) ويجوز أن يكون استأنف الاخبار عنهم ، ومن فتح فعلى تقدير فآمنا بأنه تعالى جدّ ربنا ، ومعناه تعالى عظمة ربنا ، لانقطاع كل شيء عظمة عنها لعلوها عليه . ومنه الجد ابو الأب ، والجد الحظ لانقطاعه بعلو شأنه . والجد ضد الهزل لانقطاعه عن السخف ، ومنه الجديد لأنه حديث عهد بالقطع فى غالب الأمر . وقال الحسن - فى رواية - ومجاهد وقتادة : معناه تعالى جلالته وعظمته . وفى رواية اخرى عن الحسن : تعالى غني ربنا ، وكل ذلك يرجع الى معنى وصفه بأنه عظيم غني . ويقال : جد فلان فى قومه إذا عظم فيهم . وروي عن أحدهما عليهم السلام انه قال : ليس لله جدّ وإنما قالت ذلك الجن بجهلها فحكاه كما قالت . وقال الحسن : ان الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله إلى الانس والجن ، وانه لم يرسل رسولا قط من الجن ولا من أهل البادية ، ولا من النساء ، لقوله { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى } وقوله { ما اتخذ صاحبة ولا ولداً } على ما قال قوم من الكفار . وقوله { وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً } من كسر استأنف . ومن نصب عطف على قوله { وأنه تعالى جد ربنا } ونصب ذلك بتقدير آمنا ، وقدر للباقي فعلا يليق به ، ويمكن أن يعمل فيه ، كما قال الشاعر : @ إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا @@ على تقدير : وكحلن العيون ، وقال مجاهد وقتادة : أرادوا بـ { سفيههم } ابليس و ( الشطط ) السرف فى ظلم النفس والخروج عن الحق ، فاعترفوا بأن ابليس كان يخرج عن الحد بما يغري به الخلق ويدعوهم إلى الضلال . وقوله { وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً } اخبار عن اعترافهم بأنهم ظنوا أن لا يقول أحد من الجن والانس كذباً على الله فى اتخاذ الشريك معه والصاحبة والولد ، وأن ما يقولونه من ذلك صدق حتى سمعنا القرآن وتبينا الحق به . وقوله { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } قال البلخي : قال قوم : المعنى إنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الانس من أجل الجن ، لأن الرجال لا يكون إلا فى الناس دون الجن . ومن قال بالأول قال فى الجن رجال مثل ما فى الانس . وقال الحسن وقتادة ومجاهد : كان الرجل من العرب إذا نزل الوادي في سفره قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه . ومعنى { يعوذون } يستجيرون ، وهذا اخبار من الله تعالى عن نفسه دون الحكاية عن الجن . والعياذ الاعتصام وهو الامتناع بالشيء من لحاق الشر . والرجال جمع رجل وهو الذكر البالغ من الذكران . والانسان يقع على الذكر والمرأة ، والصغير والكبير ثم ينفصل كل واحد بصفة تخصه وتميزه من غيره . وقوله { فزادوهم رهقاً } أي اثماً الى اثمهم الذي كانوا عليه من الكفر والمعاصي - فى قول ابن عباس وقتادة - وقال مجاهد : يعني طغياناً . وقال الربيع وابن زيد : يعني فرقاً . وقيل سفهاً . قال الزجاج : يجوز ان يكون الجن زادوا الانس ، ويجوز أن يكون الانس زادوا الجن رهقاً . والرهق لحاق الاثم ، وأصله اللحوق . ومنه راهق الغلام إذا لحق حال الرجال قال الاعشى : @ لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفى وامق ما لم يصب رهقاً @@ أي لم يعش اثماً . ثم حكى تعالى { وأنهم ظنوا كما ظننتم } معاشر الانس { أن لن يبعث الله أحداً } أي لا يحشره يوم القيامة ولا يحاسبه . وقال الحسن : ظن المشركون من الجن ، كما ظن المشركون من الانس { أن لن يبعث الله أحدا } لجحدهم بالبعث والنشور ، واستبعدوا ذلك مع اعترافهم بالنشأة الأولى ، لانهم رأوا إمارة مستمرة في النشأة الأولى ، ولم يروها في النشأة الثانية ، ولم ينعموا النظر فيعلموا أن من قدر على النشأة الأولى يقدر على النشأة الاخرى . وقال قتادة : ظنوا أن لا يبعث الله احداً رسولا . ثم حكى ان الجن قالت { إنا لمسنا السماء } أي مسسناها بايدينا . وقال الجبائي : معناه إنا طلبنا الصعود الى السماء ، فعبر عن ذلك باللمس مجازاً ، وانما جاز من الجن تطلب الصعود مع علمهم بأنهم يرمون بالشهب لتجويزهم أن يصادفوا موضعاً يصعدون منه ليس فيه ملك يرميهم بالشهب ، او اعتقدوا أن ذلك غير صحيح ، ولم يصدقوا من أخبرهم بأنهم رموا حين أرادوا الصعود { فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً } نصب { حرساً } على التمييز و { شديداً } نعته و { شهباً } عطف على { حرساً } فهو نصب ايضاً على التمييز . وتقديره ملئت من الحرس . والشهب جمع شهاب ، وهو نور يمتد من السماء من النجم كَالنار . قال الله تعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين } والحرس جمع حارس . وقيل : إن السماء لم تحرس قط إلا لنبوة أو عقوبة عاجلة عامة . ثم حكى أنهم قالوا ايضاً { إنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ، فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } أي لم يكن فيما مضى منع من الصعود فى المواضع التي يسمع منها صوت الملائكة وكلامهم ، ويسمع ذلك ، فالآن من يستمع منا ذلك يجد له شهاباً يرمى به ويرصد و { شهاباً } نصب على أنه مفعول به و { رصداً } نعته . ثم حكى انهم قالوا { وإنا لا ندري } بما ظهر من هذه الآية العجيبة { أشر أريد بمن في الأرض } من الخلق أي اهلاكاً لهم بكفرهم وعقوبة على معاصيهم { أم أراد بهم ربهم رشداً } وهداية إلى الحق بأن بعث نبياً ، فان ذلك خاف عنا وقال قوم : إنا الشهب لم تكن قبل النبي صلى الله عليه وآله وإنما رموا به عند بعثه صلى الله عليه وآله وقال آخرون : الشهب معلوم أنها كانت فيما مضى من الزمان ، ولكن كثرت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وعمت لا أنها لم تكن أصلا . قال البلخي : الشهب كانت لا محالة غير انه لم تكن تمتنع بها الجن عن صعود السماء ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله منع الجن من الصعود .