Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه التهديد للكافر الذى وصفه { ذرني ومن خلقت وحيداً } ومعناه دعني وإياه فاني كاف فى عقابه كما تقول العرب : دعني وإياه لا أن الله تعالى يجوز عليه المنع حتى يقول : ذرني وإياه . ولكن المعنى ما قلناه . وقوله { وحيداً } قال الزجاج : يحتمل ان يكون من صفة الخالق ، ويحتمل أن يكون من صفة المخلوق ، فاذا حملناه على صفة الخالق كان معناه دعني ومن خلقته متوحداً بخلقه لا شريك لي في خلقه وجعلته على الاوصاف التي ذكرتها ، وإذا حمل على صفه المخلوق ، كان معناه ومن خلقته فى بطن أمه وحده لا شيء له ثم جعلت له كذا وكذا - ذكره مجاهد وقتادة - وقوله { وجعلت له مالا ممدوداً } أى مالا كثيراً له مدد يأتي شيئاً بعد شيء ، فوصفه بأنه ممدود يقتضي هذا المعنى . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي . وقالا : كان ماله الف دينار . وقال سفيان : كان ماله أربعة آلاف دينار . وقال النعمان بن سالم : كان أبرص . وقال عطاء عن عمر : كان غلة شهر شهر . وقال مجاهد : كان بنوه عشرة { وبنين شهوداً } أي واولاداً ذكوراً معه يستمتع بمشاهدتهم ، وينتفع بحضورهم . وقيل كان بنوه لا يغيبون عنه لغنائهم عن ركوب السفر فى التجارة بخلاف من هو غائب عنهم . وقوله { ومهدت له تمهيداً } أي سهلت له التصرف فى الأمور تسهيلا وقد يكون التسهيل من المصيبة ليخف الحزن بها ، وقد يكون لما يتصرف فيه من المبالغة . وقوله { ثم يطمع أن أزيد } أي لم يشكرني على هذه النعم ، وهو مع ذلك يطمع ان أزيد فى إنعامه . والتمهيد والتوطئة والتذليل والتسهيل نظائر . ثم قال تعالى على وجه الردع والزجر " كلا " كأنه قال : ارتدع عن هذا وانزجر كما ان ( صه ) بمنزلة اسكت ( ومه ) بمنزلة اكفف . وإنما هي أصوات سمي الفعل بها ، فكأنه قال : انزجر ، فليس الأمر على ما تتوهم . ثم بين لم كان كذلك فقال { إنه كان لآياتنا } أي إنما لم أفعل به ذلك ، لانه لحجتنا وأدلتنا { عنيداً } أي معانداً ، فالعنيد الذاهب عن الشيء على طريق العداوة له ، يقال عند العرق يعند عنوداً ، فهو عاند إذا نفر ، وهو من هذا ، والمعاندة منافرة المضادة ، وكذلك العناد ، وهذا الكافر يذهب عن آيات الله ذهاب نافر عنها . وقيل معنى { عنيد } عنود أي جحود بتكذيب المعاندة - فى قول ابن عباس وقتادة - وقيل : معناه معاند ، وبعير عنود أي نافر قال الشاعر : @ إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا @@ أي نفراً ، وقوله { سأرهقه صعوداً } فالارهاق الاعجال بالعنف والصعود العقبة التي يصعب صعودها ، وهي الكؤد والكدود فى ارتقائها ونقيض الصعود الهبوط ، وقيل : صعود جبل من نار فى جهنم يؤخذون بارتقائه ، فاذا وضع يديه ذابت ، فاذا رفعها عادت وكذلك رجلاه ، فى خبر مرفوع . وقيل : صعود جبل فى جهنم من نار يضرب بالمقامع حتى يصعد عليه ، ثم يضرب حتى ينزل ذلك دأبه ابداً . ثم قال { إنه فكر } أى فكر فكراً يحتال به للباطل ، لانه لو فكر على وجه طلب الرشاد لم يكن مذموماً بل كان ممدوحاً ، ولذلك مدح الله قوماً فقال { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } أى على وجه طلب الحق . وقوله { وقدر } أي قدر فقال : إن قلنا شاعر كذبتنا العرب باعتبار ما أتى به ، وإن قلنا كاهن لم يصدقونا ، لان كلامه لا يشبه كلام الكهان ، فنقول ساحر يأثر ما أتى به عن غيره من السحرة . فقال الله تعالى { فقتل } أى لعن { كيف قدر } هذا . ثم كرر تعالى فقال { ثم قتل كيف قدر } أى عوقب بعقاب آخر كيف قدر من ابطال الحق تقديراً آخر . وقيل : لعن بما يجري مجرى القتل ، ومثله { قتل الخراصون } وقال الحسن : هو شتم من الله لهذا الكافر . وقوله { ثم نظر } نظر من ينكر الحق ويدفعه ، ولو نظر طلباً للحق كان ممدوحاً وكان نظره صحيحاً . وقوله { ثم عبس } أى قبض وجهه تكرها للحق ، يقال : عبس يعبس عبوساً ، فهو عابس وعباس فالعبوس والتكليح والتقطيب نظائر فى اللغة ، وضده الطلاقة والبشاشة . وقوله { وبسر } فالبسور بدّو التكره الذى يظهر فى الوجه وأصله من قولهم : بسر بالأمر إذا عجل به قبل حينه ، ومنه البسر لتعجيل حاله قبل الارطاب قال توبة : @ وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها @@ فكأنه قيل : قبض وجهه وبدى التكره فيه . وقوله { ثم أدبر } فالادبار الأخذ فى جهة الدبر خلاف جهة الاقبال ، فذلك ادبار وهذا إقبال ، يقال : دبر يدبر دبوراً وأدبر إدباراً ، وتدبر نظر في عاقبة الأمر ، ودبره أى عمله على إحكام العاقبة وكل مأخوذ من جهة الخلف مدبر . وقوله { واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر } أى طلب كبراً ليس له ، ولو طلب كبراً هو له لم يكن مذموماً ، وفي صفات الله تعالى { الجبار المتكبر } لان له الكبرياء ، وهو كبير الشأن في أعلى المراتب لاختصاصه باتساع مقدوراته والمعلوم في أعلى المراتب . وقيل : ان الوليد قال في القرآن : والله ليعلو وما يعلا وما هو بشعر ولا كهانة ، ولكنه سحر يؤثر من قول البشر ، والسحر حيلة يخفى سببها فيوهم الشيء على خلاف ما هو به وذلك منفي عن كل ما يشاهد ويعلم انه قد خرج عن العادة مما لا يمكن عليه معارضة ، ولو كان القرآن من قول البشر لامكنهم أن يأتوا بمثله ، كما لو كان قلب العصا حية من فعل ساحر لأمكن السحرة أن يأتوا بمثله . ثم قال يعني الوليد { إن هذا إلا قول البشر } أى ليس هذا إلا قول البشر وليس من كلام الله عناداً منه وبهتاناً .