Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-10)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يقول له { يا أيها المدثر } واصله المتدثر بثيابه ، فادغمت التاء في الدال ، لانها من مخرجها مع أن الدال اقوى بالجهر فيها ، يقال : تدثر تدثراً ودثره تدثيراً ، ودثر الرسم يدثر دثوراً إذا محي أثره ، فكأنه قال : يا ايها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالانذار . وقوله { قم فأنذر } أمر من الله تعالى له أن يقوم وينذر قومه ، والانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقى ، فلما كان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب الله كان الانذار منه اجلّ الانذار ، وتقديره قم إلى الكفار فانذر من النار . وقوله { وربك } منصوب بـ { كبر } والتكبير وصف الاكبر على اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله الله اكبر ، والتكبير نقيض التصغير ، ومثله التعظيم . والكبير الشأن هو المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود . فالله تعالى قادر لا يعجزه شيء ، وعالم لا يخفى عليه شيء لا يمنعه من الجود على عباده شيء ، فهو اكبر من كل كبير بما لا يساويه شيء ، واختصاصه بالمقدور والمعلوم بأنه ما صح من مقدور او معلوم فهو قادر عليه عالم به فهو لنفسه كبير واكبر من كل كبير سواه . وقوله { وثيابك فطهر } أي وطهر ثيابك فهو منصوب به . والطهارة النظافة بانتفاء النجاسة ، لأن النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة ، وقد تكون بانتفاء النجاسة . فالطهارة في الآية هو القسم الأخير . وقال ابن عباس { وثيابك فطهر } معناه من لبسها على معصيته ، كما قال سلامة بن غيلان الثقفي - انشده ابن عباس : @ وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدة أتقنع @@ وقال الزجاج : معناه لم أكن غادراً ، قال يقال : للغادر دنس الثياب أي لم أعص قط وقيل : معناه شمر ثيابك - وفي رواية عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة - ان معناه وثيابك فطهر من الذنوب . وقال ابن سيرين وابن زيد : اغسلها بالماء . وقيل معناه شمر ثيابك ، وقيل : معناه وثيابك فطهر للصلاة فيها . وقوله { والرجز } منصوب بقوله { فاهجر } وقال الحسن : كل معصية رجز وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري : معناه فاهجر الاصنام . وقال ابراهيم والضحاك : الرجز الاثم . وقال الكسائي : الرجز - بكسر الراء - العذاب ، وبفتحها الصنم والوثن . وقالوا : المعنى اهجر ما يؤدي إلى العذاب ، ولم يفرق احد بينهما . وبالضم قرأ حفص ويعقوب وسهل . الباقون بالكسر إما لانهما لغتان مثل الذكر والذكر او بما قاله الكسائي . وقال قوم : الرجز بالضم الصنم . وقال : كان الرجز صنمين : أساف ونائلة ، نهى الله تعالى عن تعظيمهما . وقوله { ولا تمنن تستكثر } قال ابن عباس وابراهيم والضحاك وقتادة ومجاهد : معناه لا تعط عطية لتعطى أكثر منها ، وقال الحسن والربيع وانس : معناه لا تمنن حسناتك على الله مستكثراً لها ، فينفصل ذلك عند الله . وقال ابن زيد : معناه لا تمنن ما أعطاك الله من النبوة والقرآن مستكثراً به الأجر من الناس ، وقال ابن مجاهد : معناه لا تضعف فى عملك مستكثراً لطاعتك ، وقال قوم : معناه لا تمنن على الناس بما تنعم به عليهم على سبيل الاستكثار لذلك . وقال جماعة من النحويين : إن { تستكثر } فى موضع الحال ولذلك رفع . وأجاز الفراء الجزم على أن يكون جواباً للنهي ، والرفع هو الوجه . والمن ذكر النعمة بما يكدرها ، ويقطع حق الشكر بها ، يقال : منّ بعطائه يمنّ مناً إذا فعل ذلك ، فأما من على الاسير إذا أطلقه ، فهو قطع أسباب الاعتقال عنه . ويقال : لمن أنعم على وجه المن ، لأنه بهذه المنزلة ، وأصله القطع من قوله { فلهم أجر غير ممنون } أى غير مقطوع . والاستكثار طلب الكثرة يقال : استكثر فلان من المال والعلم ، والمراد - ها هنا - هو طلب ذكر الاستكثار للعطية . وقوله { ولربك فاصبر } قال ابراهيم : من أجل ربك فاصبر على عطيتك . وقال مجاهد : لاجل الله فاصبر على أذى المشركين . وقيل : معناه { ولربك فاصبر } على ما أمرك به من أداء الرسالة وتعليم الدين ، وما ينالك من الاذى والتكذيب ، فاحتمله لتنال الفوز من الله بالنعيم والصبر الذى هو طاعة الله هو الصبر على الضرر الذى يدعو اليه العقل ، لان ما يدعو اليه العقل فخالق العقل يريده ، لأنه بمنزلة دعاء الأمر الى الفعل ، والسبب الذى يتقوى به على الصبر هو التمسك بداعي العقل دون داعي الطبع ، لان العقل يدعو بالترغيب فيما ينبغي أن يرغب فيه . والطبع داعي الهوى يدعو إلى خلاف ما في العقل . وقوله { فإذا نقر في الناقور } معناه إذا نفخ فى الصور ، وهو كهيأة البوق - فى قول مجاهد - وقيل : ان ذلك فى اول النفختين ، وهو أول الشدة الهائلة العامة ، والناقور على وزن ( فاعول ) من النقر ، كقولك : هاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم ، وهو الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به . وقوله { فذلك يومئذ } يعني اليوم الذي ينفر فيه فى الناقور { يوم عسير } أى يوم شديد عسر { على الكافرين } لنعم الله الجاحدين لآياته { غير يسير } فاليسير القليل الكلفة ، ومنه اليسار وهو كثرة المال لقلة الكلفة به فى الانفاق ، ومنه تيسر الامر لسهولته وقلة الكلفة فيه . وقال الزجاج : قوله { يوم عسير } مرتفع بقوله { فذلك } والمعنى فذلك يوم عسير يوم النفخ فى الصور ، ويومئذ يجوز أن يكون نصباً على معنى فذلك يوم عسير فى يوم ينفخ فى الصور ، ويجوز الرفع ، وإنما بني على الفتح لاضافته إلى ( إذ ) لأن ( إذ ) غير متمكنة .