Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 11-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ { كلا بل يحبون العاجلة ويذرون الآخرة } بالياء فيهما ابن كثير وابو عمرو وابن عامر على وجه الاخبار عنهم . الباقون بالتاء على وجه الخطاب لهم ، لما حكى الله تعالى عن الكافر انه يقول يوم القيامة { أين المفر } والمهرب حكى ما يقال له ، فانه يقال له { كلا لا وزر } أي لا ملجأ . والوزر الملجأ من جبل يتحصن به او غيره من الحصون المنيعة . ومنه الوزير المعين الذي يلجأ اليه فى الامور ، يقال وزرت الحائط إذا قويته بأساس يعتمد عليه . وقال ابن عباس ومجاهد : لا وزر ، معناه لا ملجأ . وقال الحسن : لا جبل ، لان العرب إذا دهمتهم الخيل بغتة ، قالوا : الوزر ، يعنون الجبل ، قال ابن الدمينة : @ لعمرك ما للفتى من وزر من الموت ينجو به والكَبر @@ وقال الضحاك : معناه لا حصن . وقيل معناه لا منجا ينجو اليه ، وهو مثل الملجأ . ثم قال تعالى { إلى ربك يومئذ المستقر } أي المرجع الذي يقر فيه . ومثله المأوى والمثوى ، وخلافه المرتحل . والمستقر على وجهين : مستقر إلى أمد ، ومستقر على الابد . وقوله { ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } أي يخبر بجميع ما عمله ، وما تركه من الطاعات والمعاصي ، فالنبأ الخبر بما يعظم شأنه ، وحسن في هذا الموضع لان ما جرى مجرى اللغو والمباح لا يعتد به فى هذا الباب . وإنما الذي يعظم شأنه من عمل الطاعة والمعصية هو ما يستحق عليه الجزاء . فأما ما وجوده كعدمه ، فلا اعتبار به . والتقديم ترتيب الشيء قبل غيره . وضده التأخير وهو ترتيب الشيء بعد غيره ، ويكون التقديم والتأخير فى الزمان ، وفى المكان ، وفى المرتبة ، كتقديم المخبر عنه في المرتبة ، وهو مؤخر فى الذكر ، كقولك : فى الدار زيد ، وكذلك الضمير فى ( غلامه ضرب زيد ) وهو مقدم فى اللفظ ومؤخر فى المرتبة . وقال ابن عباس : ينبأ بما قدم من المعصية وأخّر من الطاعة . وقال مجاهد : يعني بأول عمله وآخره . وقال ابن زيد : ما أخذ وترك . وفي رواية عن ابن عباس ، وهو قول ابن مسعود : بما قدم قبل موته ، وما اخر من سنة يعمل بها بعد موته ، وقيل ما قدم وأخر جميع أعماله التي يستحق بها الجزاء . وقوله { بل الإنسان على نفسه بصيرة } أي شاهد على نفسه بما تقوم به الحجة - ذكره ابن عباس - كما يقال : فلان حجة على نفسه . وقد قال تعالى { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } وقال الزجاج : معناه بل الانسان تشهد عليه جوارحه كما قال { يوم تشهد عليهم } والهاء فى { بصيرة } مثل الهاء فى ( علامة ) للمبالغة . وقيل شهادة نفسه عليه اولى من اعتذاره . وقيل تقديره بل الانسان على نفسه من نفسه بصيرة : جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة ولو اعتذر كان شاهداً عليه من يكذب عذره . وقوله { ولو ألقى معاذيره } معناه ولو اقام الاعتذار عند الناس ، وفى دار التكليف واستسر بالمعاصي بارخاء الستر . وقال ابن عباس : معناه ولو اعتذر . وقال السدي : معناه ولو ارخى الستور وأغلق الأبواب . وقال الزجاج : معناه لو أتى بكل حجة عنده . والمعاذير التنصل من الذنوب بذكر العذر ، واحدها معذرة من قوله { لا ينفع الظالمين معذرتهم } وقيل : المعاذير ذكر مواقع تقطع عن الفعل المطلوب . والعذر منع يقطع عن الفعل بالأمر الذي يشق . والاعتذار الاجتهاد فى تثبيت العذر . وقوله { لا تحرك به لسانك لتعجل به } قال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك : كان النبي صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحبه إياه ، فنهاه الله عن ذلك . والتحريك تغيير الشيء من مكان إلى مكان او من جهة الى جهة بفعل الحركة فيه ، والحركة ما به يتحرك المتحرك . والمتحرك هو المنتقل من جهة الى غيرها . واللسان آلة الكلام . والعجلة طلب عمل الشيء قبل وقته الذي ينبغي أن يعمل فيه . ونقيضه الابطاء ، والسرعة عمل الشيء فى أول وقته الذي هو له ، وضده الاناة . وقوله { إن علينا جمعه وقرآنه } قال ابن عباس والضحاك : معناه ان علينا جمعه فى صدرك ، وقراءته عليك حتى يمكنك تلاوته . وقال قتادة : معناه إن علينا جمعه فى صدرك وتأليفه على ما نزل عليك . وقال ابن عباس - فى رواية اخرى - إن معناه إن علينا بيانه من حلاله وحرامه بذكره لك . وقال قتادة : معناه نذكر احكامه ونبين لك معناه إذا حفظته . وقال البلخي : الذي أختاره انه لم يرد القرآن وإنما اراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة ، لان ما قبله وبعده يدل على ذلك ، وليس فيه شيء يدل على انه القرآن ، ولا على شيء من أحكام الدنيا ، وفى ذلك تقريع للعبد وتوبيخ له حين لا تنفعه العجلة . والقرآن من الضم والتأليف ، قال عمرو بن كلثوم : @ ذراعي عيطل أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا @@ أي لم تضم رحماً على ولد . وقوله { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } قال ابن عباس : معناه إذا قرأناه أي تلوناه فاتبع قراءته بقرائتك ، وقال قتادة والضحاك : معناه بأن يعمل بما فيه من الاحكام والحلال والحرام . وقيل : معناه فاذا قرأه جبرائيل عليك فاتبع قراءته . والاتباع مراجعة الثاني للاول في ما يقتضيه ، ومثله الاقتداء والاحتذاء والائتمام ، ونقيضه الخلاف . والبيان إظهار المعنى للنفس بما يتميز به من غيره بان الشيء يبين إذا ظهر وأبانه غيره أي اظهره بياناً وإبانة ، ونقيض البيان الاخفاء والاغماض . وقال قتادة { ثم إن علينا بيانه } معناه إنا نبين لك معناه إذا حفظته . وقوله { كلا بل تحبون العاجلة } معناه الاخبار من الله تعالى أن الكفار يريدون المنافع العاجلة ويركنون اليها ويريدونها { وتذرون الآخرة } أي وتتركون عمل الآخرة الذي يستحق به الثواب ، وتفعلون ما يستحق به العقاب من المعاصي والمحارم . ثم قسم تعالى اهل الآخرة فقال { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } أي مشرقة مضيئة ، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية نضر وجهه ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر . والنضرة مثل البهجة والطلاقة ، وضده العبوس والبسور ، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق ، والملائكة على انهم مؤمنون مستحقون الثواب . وقوله { إلى ربها ناظرة } معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه ان يصل اليهم . وقيل { ناضرة } أي مشرفة { إلى } ثواب ربها { ناظرة } وليس فى ذلك تنغيص لان الانتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله الى المنتظر أو هو محتاج اليه فى الحال . والمؤمنون بخلاف ذلك ، لانهم فى الحال مستغنون منعمون ، وهم ايضاً واثقون انهم يصلون الى الثواب المنتظر . والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلبا للرؤية ويَكون النظر بمعنى الانتظار ، كما قال تعالى { وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة } أى منتظرة وقال الشاعر : @ وجوه يوم بدر ناظرات الى الرحمن تأتي بالفلاح @@ أى منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم ، وقد يقول القائل : انما عيني ممدودة الى الله ، والى فلان ، وانظر اليه أى انتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته ، وقوله { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } معناه لا ينيلهم رحمته . ويكون النظر بمعنى المقابلة ، ومنه المناظرة في الجدل ، ومنه نظر الرحمة أى قابله بالرحمة ، ويقال : دور بني فلان تتناظر أى تتقابل ، وهو ينظر الى فلان أى يؤمله وينتظر خيره ، وليس النظر بمعنى الرؤية اصلا ، بدلالة انهم يقولون : نظرت الى الهلال فلم أره فلو كان بمعنى الرؤية لكان متناقضاً ، ولانهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون : ما زلت أنظر اليه حتى رأيته ، ولا يجعل الشيء غاية لنفسه لا يقال : ما زلت أراه حتى رأيته ، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة ، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا ؟ ودخل " إلى " فى الآية لا يدل على ان المراد بالنظر الرؤية ، ولا تعليقه بالوجوه يدل على ذلك ، لانا أنشدنا البيت ، وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف ( الى ) والمراد به الانتظار ، وقال جميل بن معمر : @ وإذا نظرت اليك من ملك والبحر دونك جدتني نعماء @@ والمراد به الانتظار والتأميل ، وايضاً ، فانه فى مقابلة قوله في صفة اهل النار { تظن أن يفعل بها فاقرة } فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب ، والكفار يظنون الفاقرة ، وكله راجع الى فعل القلب ، ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها ، لأن الثواب الذي هو انواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته ، ويجوز ايضاً أن يكون إلى واحد إلآ لاء وفى واحدها لغات ( ألا ) مثل قفا ، و ( ألى ) مثل معى و ( إلى ) مثل حدى و ( ألى ) مثل حسى ، فاذا اضيف الى غيره سقط التنوين ، ولا يكون ( الى ) حرفاً فى الآية وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية على الله تعالى . وليس لأحد ان يقول : إن الوجه الأخير يخالف الاجماع ، أعني اجماع المفسرين ، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك ، بل قد قال مجاهد وابو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك : إن المراد نظر الثواب . وروي مثله عن علي عليه السلام ، وقد فرق اهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي ، يقولون : نظر غضبان ، ونظر راض ، ونظر عداوة ونظر مودّة ، قال الشاعر : @ تخبرني العينان ما الصدر كاتم ولا حن بالبعضاء والنظر الشزر @@ والرؤية ليست كَذلك فانهم لا يضيفونها ، فدل على أن النظر غير الرؤية ، والمرئي هو المدرك ، والرؤية هي الادراك بالبصر ، والرائي هو المدرك ، ولا تصح الرؤية وهي الادراك إلا على الاجسام او الجوهر او الألوان . ومن شرط المرئي أن يكون هو او محله مقابلا او في حكم المقابل ، وذلك يستحيل عليه تعالى ، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالى ؟ ! ! ! ثم ذكر القسم الآخر فقال { وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة } يعني وجوه اهل الكفر . والبسور ظهور حال الغم فى الوجه معجلا قبل الاخبار عنه ومثله العبوس إلا انه ليس فيه معنى التعجيل . والفاقرة الكاسرة لفقار الظهر بشدة ومثل الفاقرة الداهية والآبدة . وقال الحسن : ناظرة بهجة حسنة . وقال مجاهد : مسرورة . وقال ابن زيد : ناعمة . وقال مجاهد وقتادة : معنى باسرة كاشرة كالحة . وقال مجاهد : الفاقرة الداهية . وقال ابن زيد الآبدة بدخول النار .