Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 29-40)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ رويس { انطلقوا إلى ظل } على فتح اللام بلفظ الماضي . وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { جمالة } وضم الجيم يعقوب . الباقون { جمالات } من قرأ { جمالة } على لفظ الواحد قال معناه الجمع لقوله { صفر } ومن قرأ { جمالات } بكسر الجيم قال : جمالة وجمالات جميعاً جمعان ، كأنه جمع الجمع مثل : رجال ورجالات ، وبيوت وبيوتات ، والهاء فى قوله { كأنه } كناية عن الشرر . وهذا حكاية ما يقول الله تعالى للكفار المكذبين بيوم الدين يوم القيامة فانه يقول لهم { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون } من العقاب على الكفر ودخول النار جزاء على المعاصي ، فكنتم تجحدون ذلك وتكذبون به ولا تعترفون بصحته ، فامضوا اليوم اليه . فالانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث الاعتقال ، وهو من الاطلاق خلاف التقييد ، والانتقال من حال إلى حال ، ومن اعتقاد إلى اعتقاد لا يسمى انطلاقاً . ثم ذكر الموضع الذي أمرهم بالانطلاق اليه ، فقال { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } قيل : معناه يتشعب من النار ثلاث شعب : شعبة فوقه ، وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله فيحيط بالكافر . وقال مجاهد وقتادة { ظل } دخان من جهنم ينقسم ثلاث شعب كما قال تعالى { أحاط بهم سرادقها } أي من الدخان الآخذ بالانفاس { لا ظليل } معناه غير مانع من الاذى يستر عنه ، فالظليل المانع من الاذى بستره عنه ، ومثله الكنين ، فالظليل من الظلة ، وهي السترة ، والكنين من الكن ، فظل هذا الدخان لا يغني الكفار من حر النار شيئاً . وبين ذلك بقوله { ولا يغني من اللهب } والاغناء إيجاد الكفاية بما يكون وجود غيره وعدمه سواء يقال : أغنى عنه أي كفى في الدفع عنه . واللهب إرتفاع الشرر ، وهو اضطرام النار ، إلتهب يلتهب إلتهاباً وألهبتها إلهاباً ولهباً . وقوله { إنها } يعني النار { ترمي بشرر } وهي قطع تطاير من النار في الجهات وأصله الظهور من شررت الثوب إذا اظهرته للشمس والشرر يظهر متبدداً من النار . وقوله { كالقصر } أي ذلك الشرر كالقصر أي مثله في عظمه ، وهو يتطاير على الكافرين من كل جهة - نعوذ بالله منه - والقصر واحد القصور من البنيان - في قول ابن عباس ومجاهد - وفي رواية أخرى عن ابن عباس وقتادة والضحاك : القصر أصول الشجر واحدته قصرة مثل جمرة وجمر ، والعرب تشبه الابل بالقصور ، قال الاخطل : @ كأنه برج رومي يشيده لزّ بجص وآجرّ وأحجار @@ والقصر في معنى الجمع إلا انه على طريق الجنس . ثم شبه القصر بالجمال ، فقال { كأنه جمالات صفر } قال الحسن وقتادة : كأنها انيق سود ، لما يعتري سوادها من الصفرة . وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : قلوس السفن ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس : هي قطع النحاس . قال الزجاج " جمالات " بالضم جمع جمالة وهو القلس من قلوس البحر ، ويجوز أن يكون جمع ( جمل ) وجمالات ، كما قيل ( رحال ) جمع ( رحل ) ومن كسر فعلى انه جمع جمالة ، وجمالة جمع جمل مثل حجر وحجارة ، وذكر وذكارة . وقرئ في الشواذ " كالقصر " بفتح الصاد جمع كأنها أعناق الابل " وجمالات " جمع جمل كرجل ورجالات ، وبيت وبيوتات ، ويجوز أن يكون جمع جمالة . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم " جملة " بغير الألف على التوحيد لانه لفظ جنس يقع على القليل والكثير . الباقون جمالات بألف ، مكسور الجيم . وقوله { ويل يومئذ للمكذبين } قد فسرناه ثم قال تعالى { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } اخبار من الله تعالى أن ذلك اليوم لا ينطق الكفار . وقيل في معناه قولان : احدهما - ان ذلك اليوم مواطن ، فموطن لا ينطقون ، لانهم مبلسون من هول ما يرونه ، وموطن يطلق فيه عن ألسنتهم فينطقون ، فلذلك حكى عنهم أنهم { قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل } وقد يقال هذا يوم لا ينطقون إذا لم ينطقوا في بعضه كما يقال : كان كذا يوم قدم فلان وإن كان قدم في بعضه ، لان المعنى مفهوم . والثاني - انهم ينطقون بنطق لا ينتفعون به ، وكأنهم لم ينطقوا ، واضاف الزمان إلى الأفعال كقولك أتيتك يوم قدم زيد ، وآتيك يوم يخرج عمرو ، وأجاز النحويون هذا يوم لا ينطقون بالنصب على انه يشير إلى الجزاء ، ولا يشير إلى اليوم وقوله { ولا يؤذن لهم } فالاذن الاطلاق في الفعل ، تقول : يسمع بالاذن فهذا أصله وقد كثر استعماله حتى صار كل دليل ظهر به أن للقادر أن يفعل كذا فهو أذن له ، وكل ما اطلق الله فيه بأي دليل كان ، فقد أذن فيه . وقوله تعالى { فيعتذرون } فالاعتذار الانتفاء من خلاف المراد بالمانع من المراد ، وليس لاحد عذر في معصية الله ، لانه تعالى لا يكلف نفساً ما لا يطاق . وقد يكون له عذر في معصية غيره ، لانه قد يكلف خلاف الصواب وقد يكلف ما لا يمكن لعارض من الاسباب . وقوله { فيعتذرون } رفع عطفاً على قوله { لا يؤذن } قال الفراء : تقديره لا ينطقون ولا يعتذرون ، وقد يجوز في مثله النصب على جواب النفي ، ومعنى الآية لا يؤذن لهم في الاعتذار فكيف يعتذرون . وقوله { هذا يوم الفصل } يعني يفصل بين الخلائق بالحكم لكل أحد بما له وعليه . والفصل قطع علق الأمور بتوفية الحقوق ، وهذا الفصل الذي هو فصل القضاء يكون ذلك في الآخرة على ظاهر الأمر وباطنه ، وأما فى الدنيا ، فهو على ظاهر الأمر ، لان الحاكم لا يعرف البواطن . وقوله { جمعناكم والأولين } معناه إن الله يجمع فيه الخلائق فى يوم واحد فى صعيد واحد ، والجمع جعل الشيء مع غيره إما فى مكان واحد أو محل واحد أو فى يوم واحد أو وقت واحد ، أو يجعل مع غيره فى حكم واحد أو معنى واحد كجمع الجماد والحيوان فى معنى الحدوث . وقوله { فإن كان لكم كيد فكيدون } معناه توبيخ من الله تعالى وتقريع للكفار واظهار عجزهم عن الدفع عن أنفسهم فضلا عن أن يكيدوا غيرهم ، وإنما هو على أنكم كنتم فى دار الدنيا تعملون ما يغضبني ، فالان عجزتم عن ذلك وحصلتم على وبال ما عملتم . وقيل : المعنى إن كان لكم حيلة تحتالونها فى التخلص فاحتالوا . والكيد الحيلة و { ويل يومئذ للمكذبين } قد مضى تفسيره .