Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-50)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الله تعالى الكفار وما أعدّ لهم من ضروب العقاب وانواع العذاب ترهيباً وتزهيداً فى مثله ، ذكر المؤمنين المتقين للمعاصي وبين ما أعده لهم من أنواع النعيم وضروب اللذات فقال { إن المتقين } ومعناه الذين اتقوا عقاب الله باجتناب معاصيه وطلبوا ثوابه بفعل طاعاته { في ظلال } وهو جمع ظل ، وهو الحجاب العالي المانع من كل أذى ، فلأهل الجنة حجاب من كل أذى لان هواء الجنة مناف لكل أذى ، فهم من طيبه على خلاصة . وقيل فى ظلال من قصور الجنة وأشجارها { وعيون } وهي ينابيع الماء التي تجري فى ظل الاشجار . وقيل : ان تلك العيون جارية فى غير أخدود ، لأن ذلك امتع بما يرى من حسنه وصفائه على كنهه من غير ملابسة شيء له ، وليس هناك شيء إلا على أحسن صفاته ، لان الله تعالى قد شوق اليه أشد التشويق ورغب فيه أتم الترغيب { وفواكه } وهي جمع فاكهة ، وهي ثمار الاشجار التي من شأنها أن تؤكل ، وقد يكون من الثمر ما ليس كذلك كالثمر المر ، فانه ليس من الفاكهة . وقوله { مما يشتهون } يعني لهم فاكهة من جنس ما يشتهونه . ثم قال تعالى { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } صورته صورة الأمر والمراد به الاباحة . وقال قوم : هو أمر على الحقيقة ، لان الله تعالى يريد منهم الأكل والشرب فى الجنة ، وإنهم إذا علموا ذلك زاد فى سرورهم ، فلا تكون إرادته لذلك عبثاً ، والهنيء هو الذي لا أذى فيه فيما بعد . وقيل : الهنيء النفع الخالص من شائب الأذى . والشهوة معنى فى القلب إذا صادفت المشتهى كان لذة ، وضده النفار إذا صادفه كان ألماً ، وجاء الكلام على التقابل للكافرين من قوله { في ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب } مقابل أهل الجنة فى ظلال قصور الجنة واشجارها . وقوله { إنا كذلك نجزي المحسنين } اخبار منه تعالى أنه كما جازى هؤلاء المتقين بما ذكره من النعيم مثل ذلك يجازي كل محسن عامل بطاعة الله . وفى ذلك دلالة على أن كل احسان خالص للعبد فله به الثواب والحمد ، وانه طاعة لله ، وإن ما ليس باحسان من فعل خارج عن هذا الحكم . وقوله { ويل يومئذ للمكذبين } قد مضى تفسيره . ثم عاد الى خطاب الكفار فقال لهم على وجه التهديد والوعيد { كلوا وتمتعوا } فى دار الدنيا وتلذذوا بما تريدون وانتفعوا بما تشتهون { قليلاً } لان أيام الدنيا قليلة ، فالتمتع الحصول فى أحوال تلذ ، تمتع تمتعاً واستمتع استمتاعاً وأمتعه غيره امتاعاً والتمتع والتلذذ واحد ونقيضه التألم . وقوله { إنكم مجرمون } اخبار منه تعالى للكفار بأنكم وإن تمتعتم قليلا في الدنيا فانكم عصاة وكفار ومآلكم الى النار وعذابها . والاجرام فعل ما يقطع المدح ويحصل بدله الذم ، يقال : أجرم إجراماً واجترم اجتراماً وتجرم عليه أي تطلب له الجرم { ويل يومئذ للمكذبين } بينا معناه . وقوله { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } فالركوع هو الانخفاض على وجه الخضوع ، ويعبر به عن نفس الصلاة ويقال : قد ركعت وبقي على ركوع أي صلاة والمراد به - ها هنا - الصلاة ، والمعنى إن هؤلاء الكفار إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون لجهلهم بما في الصلاة من الخير والبركة . وقيل : انه يقال لهم ذلك في الآخرة كما قال { يدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ذكره ابن عباس . وقال قتادة ، يقال لهم ذلك في الدنيا ، فان الصلاة من الله بمكان . وقال مجاهد : عنى بالركوع - هنا - الصلاة وقوله { ويل يومئذ للمكذبين } قد فسرناه ، فكأنه قيل لهم يجب عليكم الركوع بالخضوع لله فاركعوا فأخبر عنهم أنهم لا يركعون تكذيباً بهذا الخبر ، فلذلك قال عقيب ذلك { ويل يومئذ للمكذبين } وإلا فقوله { اركعوا } أمر من الله تعالى ، ولا يقال فيمن أمر بالشيء فلم يفعل انه كذّب ، وقيل : إنّ ما تكرر في هذه السورة من قول { ويل يومئذ للمكذبين } ليس على وجه التكرار في المعنى ، لان معناه ويل للمكذبين بما ذكره قبله من الاخبار ، وقيل يريد أنه كذب بالمخبر الذي يليه ، وهو وجه القول الثاني والثالث والرابع إلى آخر السورة ، على هذا المنهاج من أنه يلزمه الويل بالتكذيب بالذي يليه والذي قبله على التفصيل لا على الاجمال في أنه لا يلزمه حتى يكذب بالجميع . وقوله { فبأي حديث بعده يؤمنون } معناه إنه اذا أتى القرآن باظهر البرهان وكفروا به فليس ممن يفلح بالايمان بكلام غيره ، لان من لم يؤمن بما فيه المعجزة الظاهرة والآية الباهرة لايؤمن بغيره .