Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-16)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقف يعقوب على { عم } بالهاء . الباقون بلا هاء . وقرأ ابن عامر { كلا ستعلمون } بالتاء على الخطاب فيهما أي قل لهم ستعلمون عاقبة أمركم . الباقون - بالياء - على الغيبة ، وهو الأقوى لقوله { عم يتساءلون } وقوله { الذي هم فيه مختلفون } ولم يقل أنتم ، وإن كانت التاء جائزة لان العرب تنتقل من غيبة إلى خطاب ، ومن خطاب إلى غيبة . قيل فى سبب نزول هذه الآية : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا حدّث قريشاً وعرّفهم أخبار الامم السالفة ووعظهم كانوا يهزؤن بذلك ، فنهاه الله تعالى أن يحدثهم فقال { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء } إلى قوله { حتى يخوضوا في حديث غيره } فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحدث اصحابه فاذا أقبل واحد من المشركين أمسك فاجتمعوا على بكرة أبيهم وقالوا : والله يا محمد إن حديثك عجب ، وكنا نشتهي أن نسمع كلامك وحديثك ، فقال إن ربي نهاني أن أحدثكم ، فأنزل الله تعالى { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } وقوله { عم يتساءلون } أصله عن ما ، فحذفت الألف لاتصالها بحرف الجر حتى صارت كالجزء منه لتدل على شدة الاتصال مع تخفيف المركَب فى الكلام ، فحذف حرف الاعتلال وأدغمت النون فى الميم لقربها منها من غير أخلال ، وصورته صورة الاستفهام والمراد تفخيم القصة والانكار والتهديد . وقوله { يتساءلون } معناه عن ماذا يسأل بعضهم بعضاً ، فالتساؤل سؤال احد النفيسين للآخر ، تساءلا تساؤلا وسأله مسألة ، والسؤال طلب الاخبار بصيغة مخصوصة فى الكلام ، وكل ما يزجر العقل عنه بما فيه من الداعي الى الفساد لا يجوز السؤال عنه كسؤال الجدل لدفع الحق ونصرة الباطل ، وكالسؤال الذي يقتضي فاحش الجواب ، لأنه كالامر بالقبيح . والنبأ معناه الخبر العظيم الشأن كمعنى الخبر عن التوحيد فى صفة الاله وصفة الرسول ، والخبر عما يجوز عليه وما لا يجوز . وقال مجاهد : النبأ العظيم الشأن القرآن ، وقال قتادة وابن زيد : هو السؤال عن البعث بعد الموت ، لأنهم كانوا يجمعون على التكذيب بالقرآن { الذي هم فيه مختلفون } قال قتادة : معناه الذي هم فيه بين مصدق ومكذب ، فقال الله سبحانه مهدداً لهم ومتوعداً { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون } ومعنى { كلا } ردع وزجر ، كأنه قال أرتدعوا وانزجروا ليس الأمر كما ظننتم . وقال قوم : معناه حقاً سيعلمون عاقبة أمرهم وعائد الوبال عليهم . وقال الضحاك : معناه كلا سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم ، وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم . وقال قوم : كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة من العذاب ، ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب ، فلا يكون تكراراً . والاختلاف ذهاب كل واحد من النفيسين إلى نقيض ما ذهب اليه الآخر ، يقال : اختلفا في المعنى فذهب أحدهما إلى كذا ، وذهب الآخر إلى كذا . ثم نبههم على وجه الاستدلال على صحة ذلك فقال { ألم نجعل الأرض مهاداً } أي وطاء ، وهو القرار المهيأ للتصرف فيه من غير أذية . وقال قتادة : المهاد البساط ومهد الارض تمهيداً مثل وطأه توطئة ، لأن ذلك لا يقدر عليه غير الله ، لانه الذي يسكن الأرض حالا بعد حال حتى يمكن الاستقرار عليها والتصرف فيها { والجبال أوتاداً } أي وجعلنا الجبال أوتاداً للارض لئلا تميد بهم ، فالجبال جمع جبل ، وهو بغلظه وثقله يبلغ أن يكون ممسكاً للارض عن أن تميد بثقله ، فعلى ذلك دبره الله ، وذكر العباد به وما فيه من العبرة بعظمة من يقدر عليه . والوتد المسمار إلا أنه اغلظ منه ، لذلك يقال : مسامير العناء إذا دقت كالمسمار من الحديد في القوة والدقة ، ولو غلظت صارت أوتاداً فكذلك وصفت الجبال بأنها أوتاد للارض إذ جعلت بغلظها ممسكة لها عن أن تميد باهلها . وقوله { وجعلناكم أزواجاً } أي اشكالا كل واحد يشاكل الآخر . وقيل : معناه ذكراً وأنثى حتى يصح منكم التناسل . وقوله { وجعلنا نومكم سباتاً } أي نعاساً في أوله تطلب النفس الراحة به . وقيل : معناه جعلنا نومكم راحة . وقيل : معناه جعلنا نومكم طويلا ممتداً تعظم به راحة أبدانكم ويكثر به انتفاعكم ، ومنه سبت من الدهر أي مدة طويلة منه . وقال ابو عبيدة : معناه جعلنا نومكم سباتاً ليس بموت ، ورجل مسبوت فيه روح ، والسبات قطع العمل للراحة ، ومنه سبت أنفه إذا قطعه ، ومنه يوم السبت أي يوم قطع العمل للراحة على ما جرت به العادة في شرع موسى ، وصار علماً على اليوم الذي بعد الجمعة بلا فصل . وقوله { وجعلنا الليل لباساً } فاللباس غطاء ساتر مماس لما ستر ، فالليل ساتر للاشخاص بظلمته مماس لها بجسمه الذي فيه الظلمة قال الشاعر : @ فلما لبسن الليل أوجن نصبت له من حذا آذانها وهي جنح @@ { وجعلنا النهار معاشاً } أي متصرفاً للعيش والعيش الانعاش الذي تبقى معه الحياة على حال الصحة عاش يعيش عيشاً والنهار اتساع الضياء المنبث في الافاق وأصله من انهر الدم إذا وسع مجراه ، ومنه النهر وهو المجرى الواسع من مجاري الماء ، ومنه الانتهار الاتساع في الاغلاظ ، وفى خلق النهار تمكين من التصرف للمعاش وفي ذلك أعظم النعمة واكبر الاحسان . وقوله { وبنينا فوقكم سبعاً شداداً } يعني سبع سموات . والبناء جعل الطاق الأعلى على الأدنى ، فالسماء مبنية كهيئة القبة مزينة بالكواكب المضيئة ، فسبحان الذي زينها وخلقها وبناها على هذه الصفة لعباده . وإنما جعلها سبع سموات لما في ذلك من الاعتبار للملائكة ، ولما فى تصور الطبقات من عظم القدرة ، وهول تلك الامور ، وما فيه من تمكين البناء حتى وقفت سماء فوق سماء ، فسبحان من يمسكها بما هو قادر عليها ومدبر لها . وقوله { وجعلنا سراجاً وهاجاً } يعني الشمس جعلها الله سراجاً للعالم يستضيئون به ، فالنعمة عامة لجميع الخلق . والوهاج الوقاد ، وهو المشتعل بالنور العظيم وقال مجاهد وقتادة : يعني وهاجاً متلألئاً . وقوله { وأنزلنا من المعصرات } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني الرياح ، كأنها تعصر السحاب . وقيل هي السحاب تتحلب بالمطر . وقوله { ماء ثجاجاً } فالثجاج الدفاع فى انصبابه كثج دماء البدن ، يقال ثججت دمه أثجه ثجاً ، وقد ثج الدم يثج ثجوجاً { لنخرج به حباً ونباتاً } أي نخرج بذلك الماء حباً وهو كل ما تضمنه الزرع الذي يحصد . والنبات الكلأ من الحشيش والزرع { وجنات الفافاً } أي بساتين ملتفة بالشجر يخرجها الله تعالى لعباده بالمطر . وإنما قال { جنات } لأن الشجر يجنها أي يسترها و " الألفاف " الاخلاط المتداخلة يدور بعضها على بعض واحدها ( لف ) يقال : شجر ملتف وأشجار ملتفة . والمعاني الملففة المتداخلة باستتار بعضها ببعض حتى لا تبين إلا فى خفى . وقيل : واحده لف ولفف . وقيل : فى واحده شجرة لفا ، وشجر لف . وقال مجاهد وقتادة وابن عباس : ألفافاً ملتفة . والتقدير فيه ويخرج به شجر جنات الفافاً ملتفة إلا انه حذف لدلالة الكلام عليه .