Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 17-30)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ { وفتحت } بالتخفيف أهل الكوفة إلا الاعشى والبرجمي . الباقون بالتشديد . وقرأ حمزة وروح { لبثين فيها } بغير الف مثل ( مزجين ، وفرهين ) الباقون { لابثين } بألف على اسم الفاعل ، وهو الأجود ، لأنه من ( لبث ) فهو ( لابث ) وحجة حمزة أنه مثل ( طمع ) و ( طامع ) . واللبث البطئ . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً عن المفضل " غساقاً " مشددة . الباقون بالتخفيف ، وهما لغتان . فالغساق صديد أهل النار - فى قول ابراهيم وقتادة وعكرمة وعطية - وقال أبو عبيدة : الغساق ماء وهو من الغسل أي سيال . وقال غيره : هو البارد . وقيل : المنتن . يقول الله تعالى { إن يوم الفصل } يعني يوم الدين وهو يوم القيامة الذي يفصل الله فيه بالحكم بين الخلائق { كان ميقاتاً } أي جعله الله وقتاً للحساب والجزاء فالميقات منتهى المقدار المضروب لوقت حدوث أمر من الأمور ، وهو مأخوذ من الوقت ، كما أن الميعاد من الوعد ، والميزان من الوزن والمقدار من القدر . والمفتاح من الفتح . وقوله { يوم ينفخ في الصور } فالنفخ إخراج ريح الجوف من الفم ، ومنه نفخ الزق ، والنفخ فى البوق ، ونفخ الروح فى البدن يشبه بذلك ، لانها تجري فيه كما تجري الريح ، يجري مجرى الريح فى الشيء ، والصور قرن ينفخ فيه فى حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله وقال الحسن : هو جمع صورة . وبه قال قتادة . ومعناه : إذكر يوم ينفخ فى الصور { فتأتون أفواجاً } فالفوج جماعة من جماعة . والأفواج جماعات من جماعات ، فالناس يأتون على تلك الصفة الى أن يتكاملوا فى أرض القيامة . وكل فريق يأتي مع شكله . وقيل تأتي كل أمة مع نبيها ، فلذلك جاؤا أفواجاً أي زمراً . وقوله { وفتحت السماء فكانت أبواباً } معناه وشققت السماء ، فكانت كقطع الأبواب . وقيل : صار فيها طرق ولم يكن كذلك قبل . وقوله { وسيرت الجبال فكانت سراباً } معناه زيلت الجبال عن أماكنها وأذهب بها حتى صارت كالسراب . وقوله { إن جهنم كانت مرصاداً } إخبار منه تعالى بأن جهنم تكون يومئذ مرصاداً . والمرصاد هو المعد لأمر على ارتقابه الوقوع فيه ، وهو مفعال من الرصد . وقيل : المعنى ذات ارتقاب لاهلها تراصدهم بنكالها . والرصد عمل ما يترقب به الاختطاف . وقوله { للطاغين } يعني جهنم للذين طغوا في معصية الله وتجاوزوا الحد " مآبا " أي مرجعاً ، وهو الموضوع الذي يرجع اليه ، فكأن المجرم قد كان باجرامه فيها ثم رجع اليها ، ويجوز أن يكون كالمنزل الذي يرجع اليه . وقوله { لابثين فيها أحقاباً } أي ماكثين فيها أزماناً كثيرة ، وواحد الاحقاب حقب من قوله { أو أمضي حقباً } أي دهراً طويلا . وقيل واحده حقب ، وواحد الحقب حقبة ، كما قال الشاعر : @ وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا @@ وإنما قال { لابثين فيها أحقاباً } مع انهم مخلدون مؤبدون : لا انقضاء لها إلا انه حذف للعلم بحال أهل النار من الكفار باجماع الامة عليه { لابثين فيها أحقاباً لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً } ثم يعذبون بعد ذلك بضرب آخر كالزقوم والزمهرير ونحوه من أصناف العذاب ، ومن قرأ " لبثين " بلا الف استشهد فى تعدي ( فعل ) بقول الشاعر : @ ومسحل سح عضاده سحج بسراتها ندب له وكلوم @@ وقال ابن عباس : الحقب ثمانون سنة . وقال الحسن : سبعون سنة . وقال قوم : هو اكثر من ذلك . وقوله { لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً } قال ابو عبيدة : البرد ها هنا النوم قال الكندي : @ فيصدني عنها وعن قبلتها البرد @@ أي النوم ، فكأنهم لا ينامون من شدة ما هم فيه من العذاب ، ولا يجدون شراباً يشربوه { إلاحميماً وغساقاً } فالحميم الحار الشديد الحرارة والغساق صديد أهل النار - فى قول إبراهيم وقتادة وعطية وعكرمة - يقال : غسقت القرحة غسقاً إذا سال صديدها ، وكذلك الجروح ، ومنه قوله { ومن شر غاسق إذا وقب } والغاسق الليل إذا لبس الاشياء بظلمته . كأنه يسيل عليه بظلامه ، وقال الحسن : الجنة والنار مخلوقتان فى الايام الستة الأول ، وهي الجنة التي سكنها آدم ، وهي الجنة التي يسكنها المتقون في الآخرة . ثم يفنيها الله لهلاك الخلائق . ثم يعيدها ، فلا يفنيها أبداً . وقال قوم : هما مخلوقتان ، ولا يفنيهما الله . وقال آخرون : هما غير مخلوقتين والجنة التي كان فيها آدم جنة أخرى ليست جنة الخلد . وقوله { جزاء وفاقاً } قال ابن عباس ومجاهد والربيع وقتادة : معناه وافق الجزاء أعمالهم ، فالوفاق الجاري على المقدار ، فالجزاء وفاق لانه جار على مقدار الاعمال في الاستحقاق ، وذلك أنه يستحق على الكفر أعظم مما يستحق على الفسق الذي ليس بكفر . ويستحق على الفسق أعظم مما يستحق على الذنب الصغير . وقوله { إنهم كانوا لا يرجون حساباً } أي لا يرجون المجازاة على الأعمال ولا يتوقعونه - وهو قول الحسن وقتادة - وقيل : معناه إنهم كانوا : لا يرجون حسن الجزاء في الحساب لتكذيبهم فالرجاء التوقع لوقوع أمر يخاف ألا يكون ، فهؤلاء كان يجب عليهم أن يتوقعوا الحساب على يقين أنه يكون ، فلم يفعلوا الواجب في هذا ، ولا قاربوه لاعتقادهم أنه لا يكون فاللوم أعظم لهم والتقريع لهم أشد . وقيل : معنى لا يرجون لا يخافون كما قال الهذلي : @ إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وحالفها في بيت نوب عوامل @@ وقوله { وكذبوا بآياتنا كذاباً } معناه جحدوا بآيات الله وحججه ، ولم يصدقوا بها . وإنما جاء المصدر على فعال للمبالغة مع اجرائه على نظيره الذي يطرد قبل آخره الف نحو الانطلاق والاقتدار والاستخراج والقتال والكرام ، والمصدر الجاري على فعل التفعيل نحو التكذيب والتحسين والتقديم ، وقد خرج التفعيل عن النظير لما تضمن من معنى التكثير ، كما خرج التفاعل والمفاعلة للزيادة على أقل الفعل ، فانه من اثنين . ومثل كداب ، حملته حمالا وحرقته حراقاً . وقوله { وكل شيء أحصيناه كتاباً } معناه وأحصينا كل شيء أحصيناه فى كتاب ، فلما حذف حرف الجر نصبه ، وقيل : إنما نصبه لان فى احصيناه معنى كتبناه ، فكأنه قال كتبناه كتاباً ، ومثل كذبته كذاباً قصيته قصاء قال الشاعر : @ لقد طال ما تبطتني عن صحابتي وعن جوح قصاؤها من شقائيا @@ والوجه فى إحصاء الاشياء فى الكتاب ما فيه من الاعتبار للملائكة بموافقة ما يحدث لما تقدم به الاثبات مع أن تصور ذلك يقتضي الاستكثار من الخير والاجتهاد فيه ، كما يقتضي إذا قيل للانسان ما تعمله فانه يكتب لك وعليك . وقوله { فذوقوا } أي يقال لهؤلاء الكفار ذوقوا ما كنتم فيه من العذاب { فلن نزيدكم إلا عذاباً } لان كل عذاب يأتي بعد الوقت الاول فهو زائد عليه .