Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 31-40)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أَحدى عشرة آية في البصري وعشر آيات عند الباقين . قرأ { ولا كذاباً } خفيفاً الكسائي { رب السماوات } بالرفع محارب وابو بكر ، و { الرحمن } جراً عن عاصم وابن عامر ويعقوب وسهل . لما ذكر الله تعالى حال الكفار وما أعده لهم من أنواع العقاب ذكر ما للمؤمنين المتقين لمعاصي الله تعالى ، فقال { إن للمتقين } الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته { مفازاً } ، وهو موضع الفوز بخلوص الملاذ . وأصل الفوز النجاة إلى حال السلامة والسرور ، ومنه قيل للمهلكة مفازة على وجه التفاؤل ، لانه قيل منجاة وقيل مفازاً منجى إلى مبرة . ثم بين ذلك فقال { حدائق وأعناباً } فالحدائق جمع حديقة ، وهي البستان المحوط ، ومنه أحدق به حائطه . والحديقة الجنة المحوطة ، ومنه أحدق القوم بفلان إذا أطافوا به ، وسميت الحدقة حدقة لما يحيط بها من جفنها والاعناب جمع عنب ، وهو ثمر الكرم قبل أن يجف فاذا جف فهو الزبيب ، ونظيره الرطب ثمر النخل قبل أن يصير تمراً فاذا صار تمراً زال عنه اسم الرطب . وقوله { وكواعب أتراباً } قال ابن عباس : الكواعب النواهد ، والكاعب الجارية قد نهد ثدياها ، يقال : كعب ثدي الجارية ونهد إذا ابتدأ بخروج حسن . والاتراب جمع ترب ، وهي التي تنشأ مع لدتها على سن الصبي الذي يلعب بالتراب فكأنه قيل هم على سنّ واحدة . قال قتادة : أتراباً يعني فى سن واحدة . وقوله { وكأساً دهاقاً } فالكأس الاناء إذا كان فيه شراب . وقيل الكاس أناء الخمر الذي يشرب منه ، قال الشاعر : @ يلذه بكأسه الدهاق @@ فان لم يكن فيه الخمر لم يسم كأساً ، والدهاق ملأى بشدة الضغط ، والدهق شدة الضغط فى الكأس ملأى مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللذة . وقال قتادة : دهاقاً مترعة . وقال مجاهد : معناه متتابعة على شاربها مأخوذ من متابعة الشد في الدهن . وقوله { لا يسمعون فيها لغواً } أي لا يسمعون فى الجنة كلاماً لا فائدة فيه { ولا كذاباً } أي ولا تكذيب بعضهم لبعض . ومن قرأ { كذاباً } بالتخفيف أراد مصدر كاذبه مكاذبة ، وكذاباً قال الشاعر : @ فصدقتني وكذبتني والمرء ينفعه كذابه @@ وقال الفراء : قال اعرابي فى طريق مكة : يا رب القصار أحب اليك أم الحلق يريد أقصر شعري أم احلق . وقوله { جزاء من ربك عطاء حساباً } أي فعلنا بالمؤمنين المتقين ما فعلنا جزاء على تصديقهم بالله ونبيه ، فالجزاء إعطاء المستحق بعمل الطاعة أو المعصية . وقوله { عطاء حساباً } أي بحساب العمل كل إنسان على قدر عمله من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ، ثم سائر أخيار المؤمنين ، وعند الله المزيد . وقيل : معناه عطاء كافياً من قولهم : أعطاني ما أحسبني أي كفاني ، وحسبك أي اكتف ، وحسبي الله أي كفاني الله . وقال الحسن : معناه إنه أعطاهم ذلك محاسبة . وقوله { رب السماوات والأرض } من رفع استأنف الكلام وجعله مبتدأ . وقوله { الرحمن } خبره ، ومن جره رده على قوله { من ربك } رب السموات ، وجعل { الرحمن } جراً بأنه نعته . ومن رفع الرحمن وجر الأول قطعه عن الاول وتقديره : هو الرحمن . والمعنى إن الذي يفعل بالمؤمنين ما تقدم ذكره هو الله رب السموات والارض ومدبرهما ، ومدبر ما بينهما ، والمصرف لهما على ما يريده { لا يملكون منه خطاباً } ومعناه لا يملكون أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه ، كما قال { لا يشفعون إلا لمن ارتضى } وفي ذلك أتم التحذير من الاتكال . والخطاب توجيه الكلام إلى مدرك بصيغة مبينة كاشفة عن المراد بخلاف صيغة الغائب عن الادراك على طريقة أنت وبك . والاضمار على ثلاثة أضرب : إضمار المتكلم ، وإضمار المخاطب وإضمار الغائب . وقوله { يوم يقوم الروح والملائكة } معناه إذكر يوم يقوم الروح ، قال الضحاك والشعبي : الروح هو جبرائيل عليه السلام وقال ابن مسعود وابن عباس : هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً ، وهو المروي في أخبارنا . وقال الحسن وقتادة : الروح بنو آدم . وقال ابن عباس : أرواح بني آدم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل رد الأرواح إلى الاجساد . وقوله { والملائكة صفاً لا يتكلمون } أي مصطفين لا يتكلم احد بشيء { إلا من أذن له الرحمن } أي أذن الله له في الكلام { وقال صواباً } والصواب موافقة الغرض الحكمي كأنه إصابة ذلك الغرض الذي تدعو اليه الحكمة . ونقيضه الخطأ ، وهو مخالفة الغرض الحكمي ولما كانت الحكمة قد تدعو إلى أمر بأوكد مما تدعو إلى أمر ، كدعائها إلى الفعل الأصلح ، والفعل الأدون ، صح ان صوابا أصوب من صواب . ثم قال { ذلك اليوم } يعني اليوم الذي وصفه وأخبر عنه هو { الحق } الذى لا شك في كونه وحصوله . وقوله { فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً } فيه دلالة على أن العباد قادرون على اتخاذ المآب وتركه . وإنما قال { فمن شاء اتخذ } لانه قادر عليه ومزاح العلة فيه . والمآب المرجع ، وهو ( مفعل ) من آب يؤب أوبا . وقال سفيان : معناه مرجعا . قال عبيد : @ وكل ذى غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب @@ وقوله { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } معناه الاخبار من الله تعالى أنه خوف عباده وأعلمهم المواضع التي ينبغي أن يحذروها . ثم بين ما يكون بعد ذلك فقال { يوم ينظر المرؤ ما قدمت يداه } ومعناه ينتظر جزاء ما قدمه ، فان قدم طاعة انتظر الثواب ، وإن قدم معصية انتظر العقاب { ويقول الكافر } في ذلك اليوم { يا ليتني كنت تراباً } أى يتمنى أن لو كان تراباً لا يعاد ولا يحاسب ليتخلص من عقاب ذلك اليوم ، لأنه ليس معه شيء يرجوه من الثواب . وقيل : ان الله يحشر البهائم وينتصف للجماء من القرناء فاذا انصف بينها جعلها ترابا فيتمنى الكافر عند ذلك لو كان مثل أولئك تراباً . وقيل : هو مثل قوله { يا ليتني لم أوت كتابيه }