Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-14)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً " عظاماً ناخرة " بألف ، الباقون " نخرة " بلا ألف من قرأ " ناخرة " اتبع رؤس الآي نحو ( الساهرة ، والحافرة ) ومن قرأ نخرة - بلا ألف - قال لأنه الاكثر في كلام العرب ، ولما روي عن علي عليه السلام انه قرأ " نخرة " وقال النحويون : هما لغتان مثل باخل وبخل ، وطامع وطمع . وقال الفراء النخرة البالية والناخرة المجوفة . وقوله { والنازعات } قسم من الله تعالى بهذه الأشياء التي عددها . وقال قوم : تقديره ورب النازعات وما ذكر بعدها ، لأنه لا يجوز اليمين إلا بالله تعالى . وهو ترك الظاهر . وقد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أن لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به . وإنما كان كذلك ، لانه من باب المصالح التي يجوز أن تختلف به العبادات ، وإنما جاز أن يقسم هو تعالى بما شاء من خلقه ، للتنبيه على موضع العبرة فيه إذ القسم يدل على عظم شأن المقسم به . ومعنى { النازعات } الملائكة تنزع الأرواح من الأبدان ، فالنازعات الجاذبات الشيء من أعماق ما هو فيه . وقال الحسن وقتادة : هي النجوم أي تنزع من أفق السماء إلى أفق آخر . وقال عطاء : هي القسى تنزع بالسهم . وقال السدي : هي النفوس تنزع بالخروج من البدن . وقوله { غرقاً } معناه إغراقاً أي ابعاداً في النزع . وقوله { والناشطات نشطاً } قيل : هي الخارجات من بلد إلى بلد بعيد الاقطار ينشط كما ينشط الوحش بالخروج من بلد إلى بلد . والهموم تنشط بصاحبها أي تخرج به من حال إلى حال ، قال هيبان بن قحافة : @ أمست همومي تنشط المناشطا الشام طوراً ثم طوراً واسطا @@ وقال ابن عباس : هي الملائكة أي تنشط بأمر الله إلى حيث كان . وقال قوم : هو ملك الموت ينشط روحه من خلقه ، وقال قوم : هي النجوم تنشط من المشرق إلى المغرب . وقال عطاء : هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد قال رؤية : @ تنشط منها كل معلاه الوهق @@ يعني بقر الوحش . قال الفراء : تنشط نفس المؤمن كما ينشط العقال من يد البعير . قال ابن خالويه ، واكثر ما سمعته أنشطته بالألف ، قالوا : كأنه انشط من عقال . فاذا شددت الحبل في يد البعير قلت : نشطته وإذا حللته قلت أنشطته . وقوله { والسابحات سبحاً } معناه المارات بغوص معظمها في المائع وقد يكون ذلك فى الماء وقد يكون فيما جرى مجراه ، وذلك كسبح دود الخل ، وقد يكون السبح في الهواء تشبيهاً بالماء . وقال مجاهد : السابحات الملائكة ، لأنها تسبح في نزولها بأمر الله كما يقال : الفرس يسبح في جريه إذا أسرع . وقال قتادة : هي النجوم أي تسبح في فلكها . وقال عطاء : هي السفن . وقال قوم : هو ملك الموت يقبض روح المؤمن وحده سهلا سرحاً كالسابح في الماء . وقوله { فالسابقات سبقاً } يعني الكائنات قبل غيرها على معنى صفة من الصفات . وقال مجاهد : هي الملائكة ، لأنها سبقت إلى طاعة الله . وقال قوم : لانها تسبق الشياطين إلى الوحي . وقال عطاء : هي الخيل السابقة . وقيل : هي النجوم - ذكره قتادة - أي يسبق بعضها بعضاً في السير . وقوله { فالمدبرات أمراً } قال ابن عباس وقتادة وعطاء بن السائب : هي الملائكة تدبر الاشياء . وقيل : تدبير الملائكة في ما وكلت به من الرياح والامطار ونحو ذلك من الامور . وجواب القسم محذوف ، كأنه قال : ليبعثن للجزاء والحساب ثم بين أي وقت يكون الجزاء والثواب والعقاب ، فقال { يوم ترجف الراجفة } فالرجف حركة الشيء من تحت غيره بترديد واضطراب ، وهي الزلزلة العظيمة رجف يرجف رجفا ورجفا ورجوفا ، وأرجفوا إذا أزعجوا الناس باضطراب الأمور ، كما ينزعج الذي يرجف ما تحته ، ومنه الرجفة وهي الزعزعة الشديدة من تحت ما كان من الحيوان . وقيل : ان الارض مع الجبال تتزعزع . وقوله { تتبعها الرادفة } ومعناه تتبع الراجفة الرادفة أي تجيء بعدها ، وهي الكائنة بعد الاول في موضع الردف من الراكب ، ردفهم الأمر ردفاً فهو رادف ، وارتدف الراكب إذا اتخذ رديفاً ، وقال الحسن وقتادة : هما النفختان : أما الاولى فتميت الاحياء ، وأما الثانية فتحي الموتى باذن الله . وقوله { قلوب يومئذ واجفة } أي كائنة على الانزعاج والاضطراب ، وجفت تجف وجفاً ووجيفاً وأوجف فى السير إذا أزعج الركاب فيه . وقال ابن عباس : معنى { واجفة } أي خائفة . وقوله { أبصارها خاشعة } أي خاضعة ذليلة من هول ذلك اليوم قال الشاعر : @ لما اتى خبر الزبير تهدمت سور المدينة والجبال الخشع @@ وقوله { يقولون أإنا لمرددون في الحافرة } حكاية عما قاله الكافرون المنكرون للبعث والنشور ، فانهم ينكرون النشر ويتعجبون من ذلك ، ويقولون على وجه الانكار أئنا لمردودون في الحافرة . وقيل : حافرة بمعنى محفورة ، مثل { ماء دافق } بمعنى مدفوق . وقال ابن عباس والسدي : الحافرة الحياة الثانية . وقيل : الحافرة الأرض المحفورة . أي نرد في قبورنا بعد موتنا احياء ؟ ! قال الشاعر : @ احافرة على صلع وشيب معاذ الله من جهل وعار @@ فالحافرة الكائنة على حفر أول الكرة يقال : رجع في حافرته إذا رجع من حيث جاء ، وذلك كرجوع القهقرى ، فردوا في الحافرة أى ردوا كما كانوا أول مرة ، ويقال : رجع فلان على حافرته أى من حين جاء . وقولهم : النقد عند الحافرة معناه إذا قال بعتك رجعت عليه بالثمن . وقال قوم : معناه النقد عند حافر الدابة . وقوله { فإنما هي زجرة واحدة } أى النفخة الثانية { فإذا هم بالساهرة } أى على وجه الأرض ، فالعرب تسمي وجه الارض من الفلاة ساهرة أى ذات سهر لانه يسهر فيها خوفا قال أمية بن أبي الصلت : @ وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم @@ وقال آخر : @ فانما قصرك ترب الساهره ثم تعود بعدها فى الحافره من بعد ما كانت عظاماً ناخره @@ وقال الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك : الساهرة وجه الارض . وقال قوم " بالساهرة " أى من بطن الأرض إلى ظهرها . وقالوا أيضاً منكرين للبعث { أئذا كنا عظاماً نخرة } نرد ونبعث . والعظام جمع عظم ، وهي مأخوذة من العظم وذلك لعظم صلابتها وعظمها في نفسها . والنخرة البالية بما حدث فيها من التغيير وإختلال البنية ، جذع نخر إذا كان بهذه الصفة ، وإذا لم تختل بنيته لم يكن نخراً وإن بلي بالوهن والضعف وقيل : ناخرة مجوفة ينخر الرياح فيها بالمرور في جوفها وقيل : ناخرة ونخرة سواء ، مثل ناخل ونخل ، ونخرة أوضح في المعني ، وناخرة اشكل برؤس الآى . وقيل : نخرة بالية مجوفة بالبلى . ثم حكى ايضاً ما قالوه ، فانهم { قالوا تلك إذاً كرة خاسرة } فالكرة المرة من المرّ وهي الواحدة من الكر ، كرّ يكر كرة ، وهي كالضربة الواحدة من الضرب . والخاسر الذاهب رأس ماله فتلك الكرة كأنه قد ذهب رأس المال منها ، فكذلك الخسران . وإنما قالوا { كرة خاسرة } أى لا يجيء منها شيء كالخسران الذى لا يجيء منه فائدة . وكأنهم قالوا : هو كالخسران بذهاب رأس المال ، فلا يجيء به تجارة ، فكذلك لا يجيء بتلك الكرة حياة . وقيل معنا { تلك إذاً كرة خاسرة } على ما تعدنا من العذاب . وقال الحسن : معناه كاذبة ليست كائنة .