Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-25)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وابو عمرو ونافع { طوى إذهب } غير منونة . الباقون { طوىً إذهب } منونة . وقرأ نافع " تزكى " مشددة الزاي بمعنى تتزكى ، فادغم التاء في الزاي . الباقون خفيفة الزاي ، فحذفت احدى التاءين . قال ابو عمرو : يقال : تزكى مشدداً إذا أردت تتصدق ، ولم يدع موسى فرعون إلى ان يتصدق ، وهو كافر . وإنما قال له هل لك ان تصير زاكياً ، قال : فالتخفيف هو الاختيار . ومن نون " طوى " جعله اسم واد ، ومن لم ينون جعله اسم الارض ، لانه معدول من ( طاو ) . ومن كسر الطاء قال : قدس مرتين ، وتبين فيه البركة مرتين ، مثل ثنى وعدى . هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يقول له { وهل أتاك } يا محمد { حديث موسى } فلفظه لفظ الاستفهام والمراد به التقرير { إذ ناداه ربه } أى حين ناداه الله { بالواد المقدس طوى } فالنداء الدعاء على طريقة يا فلان ، والندا مدّ الصوت بندائه ، فمعنى { ناداه } قال له يا موسى . ثم أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي و { الوادي المقدس } يعني المطهر و { طوى } قال مجاهد وقتادة : واد ، وقيل طوى التقديس . وقرأ الحسن " طوى " بكسر الطاء . وقيل طوي بالبركة والتقديس بندائه مرتين ، قال طرفة بن العبد : @ أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد @@ أى اللوم المكرر ، و " طوى " غير مصروف ، لانه اسم البقعة من الوادي وهو معرفة ، ويجوز أن يكون معدولا من ( طاوى ) في قول الزجاج . وقوله { إذهب إلى فرعون إنه طغى } اخبار من الله - عز وجل - عن حال فرعون بأنه طغى ، ومعناه تجاوز الحد فى الاستعلاء ، والتمرد والفساد ، يقال طغى يطغى طغياناً فهو طاغ ، ونظيره البغي ، بغى على الناس يبغي بغياً فهو باغ وهم البغاة والطغاة ، ونظير الطغيان العدوان ، وهو المجاوزة لحد الصغيرة ، وكل من طغى فقد عتا واعتدى . ثم ذكر ما أمره أن يقول له بأن قال { فقل هل لك إلى أن تزكى } أي ادعوه إلى الله وطريق الجنة ، و " قل " على وجه التلطف فى الكلام { هل لك إلى أن تزكى } وتطهر من المعاصي ، فالتزكي طلب الطالب أن يصير زاكياً ، تزكي يتزكى تزكياً ، والزاكي النامي فى الخير ، والزكاء النماء فى الخير ، ولو نمى فى الشر لم يكن زاكياً { وأهديك إلى ربك فتخشى } معناه وأهديك الى طريق الحق الذي إذا سلكته وصلت إلى رضى الله وثوابه ، فالهداية الدالة على طريق الرشد من الغي . وقد يكون دلالة على معنى ليس برشد ولا غي كالدلالة على الحركة فقط . وقوله { فتخشى } فالخشية توقع المضرة من غير قطع بها لا محالة ، والخشية والخوف والتقية نظائر ، يقال : خشي يخشى خشية ، فهو خاش ، وذاك مخشي . وفى الكلام حذف وتقديره فأتاه فدعاه { فأراه الآية الكبرى } وقوله { فكذب وعصى } حكايه عن فرعون أنه كذب موسى في ما دعاه اليه وجحد نبوته وعصاه في ما أمره به من طاعة الله { ثم أدبر يسعى } أي ولى فرعون الدبر بعد ذلك ، فالادبار تولية الدبر ، ونقيضه الاقبال وأقبل فلان إذا استقامت له الأمور على المثل أي هو كالمقبل إلى الخير ، وأدبر فلان إذا اضطربت عليه حاله ، ففرعون ولى الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى عليه السلام فى الآية الكبرى ، وهي المعجزة العظيمة ، فما ازداد إلا غواية ، لأنه لا يقاوم الضلال الحق . وقوله { ثم أدبر يسعى } فالسعي الاسراع فى المشي ، وفي إدباره يسعى فى هذه الحال دليل على خوفه . وقيل : إنه لما رأى العصا انقلبت حية في عظمها خاف منه ، فادبر يسعى . وقوله { فحشر فنادى } فالحشر الجمع من كل جهة ، وقد يكون الجمع بضم جزء إلى جزء ، فلا يكون حشراً ، فاذا جمع الناس من كل جهة ، فذلك الحشر ، ولهذا سمي يوم الحشر . والحاشر الذي يجمع الناس من كل جهة الى الخراج ، وإنما طلب السحرة ، فلما اجتمعوا ناداهم فقال لهم { أنا ربكم الأعلى } فالأعلى المختص بعلو معنى صفته على غيره مما لا يناله بكيد وينال هو به ، ومن هنا خرج بالغلو الى التعظيم ، ولم يكن مثل ذلك فى جهة من الجهات ، وكأنه قال : أنا الذي أنال بالضرر من شئت ولا ينالني غيري . وكذب - لعنه الله - إنما هذه صفة الذي خلقه وخلق جميع الخلق ، ومعنى { نادى } ها هنا قال : يامعشر الناس أنا ربكم الأعلى ، إذ نادى بهذا القول . وقيل : كلمته الاولى { ما علمت لكم من إله غيري } وقوله الآخر هذا { أنا ربكم الأعلى } ذكره ابن عباس ومجاهد والشعبي والضحاك . ثم حكى تعالى ما عامله به من العقاب فقال { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فالنكال عقاب بنكل من الاقدام على سببه بشدته ، نكل به تنكيلا إذا شوه به في عقابه بما يكون زاجراً لغيره عن مثل حذيه أشد الزجر الذي يزعج النفس . وقال الحسن وقتادة : معناه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . وقال مجاهد : أول عمله وآخره وقال بعضهم : نكاله فعلته الأولى ، وهو قوله { ما علمت لكم من إله غيري } وفعلته الأخيرة هو قوله { أنا ربكم الأعلى } وقال قوم : معناه نكال الدنيا بالغرق ونكال الآخرة ما صار اليه بعد الموت من العقاب . وقال الحسن { الآية الكبرى } اليد البيضاء . وقال غيره : قلب العصا حية .