Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 34-46)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر وعياش عن أبي عمرو { إنما أنت منذر من يخشاها } بالتنوين . الباقون على الاضافة . والمعنى واحد . فمن نون جعل " من " فى موضع النصب . وإنما اختار ذلك ، لانه جعله { منذراً } في الحال . ومن اضافه استخف ذلك كما استخف في قوله { عارضاً مستقبل أوديتهم } والتنوين مقدر ، لان المعنى إنه منذر فى الحال ، وفيما بعد . ومن اضاف جعلها في موضع جر . والمنذر النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } قال قوم : المنذر النبي صلى الله عليه وآله والهادي علي عليه السلام . وقيل { لكل قوم هاد } داع يدعوهم الى الحق . يقول الله تعالى مهدداً للمكلفين من خلقه { فإذا جاءت الطامة الكبرى } قال ابن عباس : الطامة القيامة . وقال الحسن : الطامة هي النفخة الثانية . وقيل : هى الصيحة التي تطمّ على كل شيء ، وهى الصيحة التي يقع معها البعث والحساب والعقاب والثواب وقيل هى الطامة الغامرة الهائلة ، وفى المثل : ما من طامة إلا وفوقها طامة قال الفراء : يقال : تطم على كل شيء يطم . وقال قوم : الطامة الغامرة ، لما يتدفق بغلظها وكثرتها . وقيل : هى الغاشية المجللة التي تدفق الشيء بالغلظ ، ثم بين متى مجيئها فقال { يوم يتذكر الإنسان ما سعى } ومعناه تجيء الطامة فى يوم يتذكر الانسان ما عمله في دار التكليف من خير او شر وسعى فيه ، ويعلم ما يستحقه من ثواب وعقاب { وبرزت الجحيم لمن يرى } أي لمن يراها ويبصرها شاهداً ، فالتبريز اظهار الشيء بمثل التكشيف الذي يقضي اليه بالاحساس ، ويقال : فلان مبرز فى الفضل إذا ظهر به اتم الظهور ، وبارز قرنه أي ظهر اليه من بين الجماعة . ثم قسم احوال الخلق فى ذلك اليوم من العصاة والمطيعين ، فقال { فأما من طغى } بأن تجاوز الحد الذي حده الله ، وارتكب المعاصي والطغيان والعصيان بمجاوزة الحد فيه الى الافراط فيه ، فكل كافر طاغ بافراطه في ظلم نفسه ، وظلم النفس كظلم غيرها فى التعاظم ، وقوله { وآثر الحياة الدنيا } معناه اختار منافع الحياة الدنيا بارتكاب المعاصي وترك ما وجب عليه ، فالايثار إرادة الشيء على طريقة التفضيل له على غيره ، ومثله الاختيار ، لانه يختاره على انه خير من غيره ، فمن آثر الأدنى على الاولى فهو منقوص بالحاجة ، كما ان من آثر القبيح على الحسن كان منقوصاً . وقيل : المعنى من آثر نعيم الحياة الدنيا على نعيم الآخرة والحياة حياتان : حياة الدنيا وهى المنقطعة الفانية ، وحياة الآخرة ، وهى الدائمة ، فمن آثر الباقي الدائم على الفاني المنقطع كان حسن الاختيار ، ومن آثر الفاني على الباقي كان سيء الاختيار مقبحاً . ثم بين تعالى ما له في الآخرة فقال { فإن الجحيم هي المأوى } اي النار مثواه ومستقره وموضع مقامه . ثم ذكر من هو بضد ذلك فقال { وأما من خاف مقام ربه } ومعناه من خاف مقام مسألة ربه عما يجب فعله أو تركه وعمل بموجب ذلك بأن فعل الطاعة وأمتنع من المعصية { ونهى نفسه عن الهوى } وما تدعو اليه شهواته ، فالهوى اريحية في النفس تدعو إلى ما لا يجوز فى العقل ، فاتباع الهوى مذموم ، وليس يجوز أن يعمل شيئاً لداعي الهوى وإن عمل لداعي العقل على موافقة الهوى لم يضره . وقيل : هم قوم صغرت الدنيا فى عينهم حين رأوا الآخرة - ذكره قتادة - وقيل : الزهد في الدنيا ، والرغبة في الاخرة هو التمسك بطاعة الله وأجتناب معصيته . ثم بين تعالى ما له في مقابلة ذلك من الثواب فقال { فإن الجنة هي المأوى } أي هي مقره ومأواه ، فالالف واللام تعاقب الضمير كقولهم مررت بحسن الوجه أي حسن وجهه . وقال الزجاج : تقديره هي المأوى له ولا يكون بدلا من الهاء كما لا يكون بدلا من الكاف في قولك غض الطرف ، قال : وقال الشاعر : @ فغض الطرف إنك من نمير فلا سعداً بلغت ولا كلابا @@ ويروى ( فلا كعباً ) والجنة البستان الذى يجنه الشجر فجنة الخلد بهذه الصفة على ما فيها من القصور والابنية الحسنة التي قد جمعت كل تحفة وطرفة مما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ، من غير أذى ملحق بحال في عاجل ولا آجل . وروي أن قصورها مبنية بفاخر الجوهر من الياقوت والزبرجد ، ومنه ما هو بلبنة من فضة ولبنة من ذهب ، فتعظيم الله لها وتشويقه اليها يدل على أنها على اجل حال تشتهي فيها مع أنه لا يتعاظم في مقدور الله - عز وجل - . ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله ، فقال { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } أى متى يكون قيامها على ما وصفها فـ { أيان } بمعنى ( متى ) الا أن ( متى ) أكثر استعمالا في السؤال عن الزمان ونظيرها ( أين ) في السؤال عن المكان . ولذلك فسرت { أيان } بـ ( متى ) والارساء الثبوت من قولهم : رست السفينة ترسو رسوا فهي راسية إذا ثبتت ومنه . قوله { أرساها } ويجوز أن يكون المراد بالمرسى المصدر . ويجوز أن يكون وقت الارساء والمعنى متى ثبت أمرها بقيامها . وقوله { فيم أنت من ذكراها } أى انه ليس عندك علم متى تكون ، وإنما عندك علم أنها تكون - ذكره الحسن - وقال غيره : هي حكاية قولهم ، أى قد اكثرت من ذكرها ، فمتى تكون ؟ . وقوله { إلى ربك منتهاها } أى قل لهم إلى الله تعالى إجراؤها ، فالمنتهى موضع بلوغ الشيء ، وكأنه قيل : إلى ربك منتهى أمرها باقامتها لان منتهى أمرها بذكرها ووصفها والاقرار بها إلى الرسول باقامتها ، ومنتهى أمرها اقامتها إلى الله تعالى لا يقدر عليه إلا الله تعالى . وقيل : المعنى إلى ربك منتهى علمها أى لا يعلم إلا هو متى وقت قيامها - ذكره الحسن - . وقوله { إنما أنت منذر من يخشاها } خطاب من الله للنبي صلى الله عليه وآله بأنه إنما يخوف من يخاف ذلك اليوم وهو يوم القيامة ، وإنما خص الانذار بمن يخشى ، لانه لما كان المنتفع بالانذار من يخشى فكأنه خص بالانذار . والكافر لما لم ينتفع بذلك فكأنه لم ينذر أصلا . ثم بين تعالى سرعة مجيئها وقرب حضورها فقال { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } وقال قتادة : معناه إنهم إذا رأوا الآخرة صغرت الدنيا فى أعينهم حتى كأنهم لم يقيموا بها إلا مقدار عشية أو مقدار ضحاها يعني ضحى العشية . وأضيف الضحى إلى العشية ، وضحوة الضحى اليوم الذي يكون فيه ، فاذا قلت أتيتك صباحاً ومساء ، فالمعنى أتيتك العشية أو غداتها ، قال الفراء : وانشدني بعض بني عقيل : @ نحن صبحنا عامراً في دارها عشية الهلال أو سرارها قبل اصفرار الشمس واحمرارها @@ أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية فهذا أشد من ذلك ،