Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 26-33)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى بعد ما ذكر ما تقدم من قصة موسى وفرعون وما فعله الله بقوم فرعون من الاهلاك والدمار { إن في ذلك لعبرة } يعني فيما قصه واخبر به دلالة يمكن أن يعتبر بها العامل العاقل ، فيعرف الحق ويميز بينه وبين الباطل ، يقال : اعتبرته اعتباراً وعبرة ، ومنه العبارة لانه يعبر بالمعنى فيها الى نفس المخاطب للافهام ، ومنه عبور النهر وتعبير الرؤيا باخراج ما فيها بعبورها المعنى إلى النفس السائلة عنها . وقوله { لمن يخشى } إنما خص من يخشى بالعبرة ، لانه الذي يعتبر بها وينتفع بالنظر فيها دون الكافر الذي لا يخشى عذاب الله ، كما قال { هدى للمتقين } ثم خاطب الكفار الجاحدين بالله تعالى على وجه التبكيت لهم والتوبيخ { أأنتم أشد خلقاً } ومعناه أانتم اشد أمراً بصغر حالكم { أم السماء } في عظم جرمها وشأنها في وقوفها وسائر نجومها وافلاكها . قال بعض النحويين { بناها } من صلة السماء . والمعنى أم التي بناها . وقال آخرون { السماء } ليس مما يوصل ، ولكن المعنى أأنتم اشد خلقاً أم السماء اشد خلقاً . ثم بين كيف خلقها فقال { بناها } والله تعالى لا يكبر عليه خلق شيء اشد من خلق غيره ، وإنما أراد انتم أشد خلقاً عندكم وفى ظنكم مع صغركم أم السماء مع عظمها وشدة إحكامها ؟ وبين انه تعالى بنى السماء و { رفع سمكها } يعني ارتفاعها ، فالسمك مقابل للعمق ، وهو ذهاب الجسم بالتأليف فى جهة العلو ، وبالعكس منه العمق . والطول ذهاب الجسم في جهة الطول . والعرض ذهابه فى جهة العرض ، وهو بالاضافة الى ما يضاف اليه . وقوله { فسواها } فالتسوية جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر على نفسه او في حكمه ، وكل ما جعل في حقه على ترتيبه مع غيره فقد سوي ، فلما كان كل شيء من السماء مجعولا فى صفة على ترتيبه مع غيره كانت قد سويت على هذا الوجه . وقوله { وأغطش ليلها } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : معناه اظلم ليلها . وقال ابو عبيدة : كل أغطش لا يبصر . وقال : ليلها اضاف الظلام الى السماء لان فيها ينشأ الظلام والضياء بغروف الشمس وطلوعها على ما دبرها الله . وقوله { وأخرج ضحاها } قال مجاهد والضحاك أخرج نورها . وقوله { والأرض بعد ذلك دحاها } قال مجاهد والسدي : معناه دحاها مع ذلك ، كما قال { عتل بعد ذلك } أي مع ذلك . وقال ابن عباس : ان الله دحا الأرض بعد السماء ، وإن كانت الارض خلقت قبل السماء ، ومعنا دحاها بسطحها دحا يدحو دحواً ودحيت ادحي دحياً لغتان ، قال أمية بن أبي الصلت : @ دار دحاها ثم أعمر بابها واقام بالأخرى التي هي أمجد @@ وقال اوس بن حجر : @ ينفي الحصا عن جديد الارض مبترك كأنه فاحص أو لاعب داح @@ وقوله { أخرج منها } يعني من الارض { ماءها } يعني المياه التي تخرج من الارض وفيها منافع جميع الحيوان ، وبه قوام حياتهم كما قال { وجعلنا من الماء كل شيء حي } { ومرعاها } أي واخرج المرعى من الارض ، وهو النبات الذي يصلح أن ترعاه الماشية ، فهي ترعاه بأن تأكله فى موضعه ، رعت ترعى رعياً ومرعى ، وسمي النبات الذي يصلح أن يرعى به . وقوله { والجبال أرساها } أي واثبت الجبال في الارض . والارساء الاثبات بالثقل . فالسفينة ترسو أي تثبت بثقلها فلا تزول عن مكانها ، وربما ارست بالبحر بما يطرح لها . فأما الجبال فانها أوتاد الارض ، وأرسيت بثقلها ، وفى جعلها على الصفة التي هي عليها اعظم العبرة . وقوله { متاعاً لكم ولأنعامكم } أي خلقنا ما ذكرناه من الارض وما يخرج منها من المياه والمراعي نفعاً ومتعة تنتفعون بها معاشر الناس وينتفع بها أنعامكم : الابل والبقر والغنم ، ففى الاشياء التي عددها اعظم دلالة واوضح حجة على توحيد الله ، لأن الارض مع ثقلها الذي من شأنه ان يذهب سفلا هي واقفة بامساك الله تعالى ، وهي على الماء . ومن شأن الماء أن يجري في المنحدر ، وهي وافقة بامساك الله تعالى فقد خرجت عن طبع الثقيل ، وذلك لا يقدر عليه غير القادر لنفسه الذي يخترع الاشياء إختراعاً ، دون القادر بقدرة الذى لا يقدر أن يفعل فى غيره إلا على وجه التولية بأن يعتمد عليه ، فدل ذلك على ان الفاعل لهذه الاشياء لا يشبه الاشياء ولا تشبهه . وفى اخراج الماء من الارض عبر لا تحصى كثرة بما فيه من المنفعة ، وما له من المادة على موضع الحاجة ، وسد الخلة مع ما فيه من المنفعة والتوفيق فى السير الى المكان البعيد بالسهولة ، كل ذلك منّ الله تعالى به على خلقه وأنعم به عليهم . وقوله { متاعاً } نصب على المفعول له ، وتقديره اخرج منها ماءها ومرعاها للامتاع لكم لان معنى أخرج منها ماءها ومرعاها امتع بذلك .