Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف المفسرون في معنى الأنفال - ها هنا - فقال بعضهم : هي الغنائم التي غنمها النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر ، فسألوه لمن هي ؟ فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم : هي لله ولرسوله - ذهب اليه عكرمة ومجاهد والضحاك وابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال قوم : هي أنفال السرايا - ذهب اليه علي بن صالح بن يحيى - وقال قوم : وهو ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد او جارية من غير قتال او ما اشبه ذلك - عن عطا - وقال : هو للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يعمل به ما يشاء . وروي عن ابن عباس - في رواية اخرى - انه ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم من الفرس والدرع والرمح . وفي رواية اخرى - أنه سلب الرجل وفرسه ينفل النبي صلى الله عليه وآله من شاء . وقال قوم : هو الخمس ، روي ذلك مجاهد ، قال : قال المهاجرون : لم يرفع منا هذا الخمس ويخرج منا ؟ فقال الله : هو لله والرسول . وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ( أن الانفال كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها ) . ويسميه الفقهاء فيئاً ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والآجام وبطون الأودية والموات وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه . وقالا : هو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤنته ليس لاحد فيه شيء . وقالا : إن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وآله خاصة ، فسألوه أن يعطيهم . وفي قراءة اهل البيت : { يسألونك الأنفال } فأنزل الله تعالى قوله { قل الأنفال لله والرسول } ولذلك قال { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ولو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل لهم : اتقوا الله . والانفال جمع نفل والنفل هو الزيادة على الشيء ، يقال : نفلتك كذا إذا زدته قال لبيد بن ربيعة : @ إن تقوى ربنا خير نفل وباذن الله ريثي والعجل @@ والنفل هو ما أعطيته المرء على البلاء ، والفناء على الجيش على غير قسمة . وكل شيء كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة ، ومنه قيل لولد الولد : نافلة ، ولما زاد على فرائض الصلاة نافلة . واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فقال قوم : نزلت في غنائم بدر ، لأن النبي صلى الله عليه وآله كان نفل أقواماً على بلاء فأبلى اقوام وتخلف آخرون مع النبي صلى الله عليه وآله فلما انقضى الحرب اختلفوا ، فقال قوم : نحن اخذنا ، لأنا قتلنا . وقال آخرون : نحن احطنا بالنبي صلى الله عليه وآله ولو أردنا لأخذنا . وقال آخرون : نحن كنا وراءكم نحفظكم فأنزل الله هذه الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ماض جائز - ذهب اليه ابن عباس وعكرمة وعبادة بن الصامت - . وقال قوم : نزلت في بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وآله سأل من المغنم شيئاً قبل قسمتها فلم يعطه إياها إذ كان شركاً بين الجيش ، فجعل الله جميع ذلك للنبي صلى الله عليه وآله روي ذلك عن سعد بن مالك ، وهو ابن ابي وقاص . قال : وكان سيف سعد بن العاص لما قتله اخوته ، وكان يسمى ذا الكثيفة ، قال سعد أتيت النبي صلى الله عليه وآله فسألته سيفاً فقال : ليس هذا لي ولا لك فوليت عنه . قال : فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله خلفي فقال : إن السيف قد صار لي فأعطانيه ، ونزلت الآية . وروي عن ابي أسيد مالك بن ربيعة قال : اصبت سيف ابن عابد ، وكان يسمى المرزبان فألقيته في النفل ، فقام الأرقم بن ابي الأرقم المخزومي ، فسأل رسول الله فأعطاه إياه . وقال آخرون : إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سألوه أن يقسم غنيمة بدر عليهم يوم بدر ، واعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شيء . وقالوا معنى { عن } ها هنا معنى { من } وكان ابن مسعود يقرأه { يسألونكم الأنفال } على هذا التأويل . وهذا مثل ما رويناه عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام وروي ذلك عن الأعمش ، والضحاك عن ابن مسعود ، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جريح وعمرو ابن شعيب عن ابيه عن جده وعن الضحاك ، وعكرمة ، واختاره الطبري وهو قول الحسن . وقال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما أصابت من شيء ، فهو غلول " وقال الزجاج : كانت الغنائم قبل النبي صلى الله عليه وآله حراماً ، فسألوا النبي عن ذلك ، فنزلت الآية ، وهذا بعيد . واختلفوا هل هي منسوخة أم لا ؟ فقال قوم : هي منسوخة بقوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء … } الاية وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة والسدي وعامر الشعبي واختاره الجبائي . وقال آخرون : ليست منسوخة ، ذهب اليه ابن زيد واختاره الطبري ، وهو الصحيح ، لان النسخ محتاج إلى دليل ، ولا تنافي بين هذه الآية وبين آية الخمس ، فيقال انها نسختها . واختلفوا هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله ان ينفل احداً - ذكرناه في الخلاف - فقال سعيد بن المسيب لا نفل بعد رسول الله . وبه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وعندنا وعند جماعة من الفقهاء واختاره الطبري : أن للأئمة أن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وآله في ذلك . وقوله { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } امر من الله للمكلفين أن يتقوا معاصيه ويفعلوا طاعاته ان يصلحوا ذات بينهم . واختلفوا في معناه ، فقال قوم : هو ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله ، فلما نزلت الاية امرهم أن يرد بعضهم على بعض ، ذهب اليه قتادة وابن جريج . وقال قوم : هذا نهي من الله للقوم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر . ذهب اليه مجاهد وابن عباس وسفيان والسدي . واختلفوا لم قال { ذات بينكم } فأنث ، والبين مذكر ؟ فقال قوم : أراد { ذات بينكم } للحال التي للبين ، كما يقولون ذات العشاء يريدون الساعة التي فيها العشاء ، ولم يصفوا مذكراً لمؤنث ولا مؤنثاً لمذكر . قال الزجاج : اراد الحال التي يصلح بها أمر المسلمين . وقال الأخفش : جعله { ذات } لأن بعض الاشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضه يذكر مثل الدار والحائط انث الدار وذكر الحائط . وقوله { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } امر من الله للخلق ان يطيعوه ولا يعصوه ، ويطيعوا رسوله فيما يأمرهم به إن كانوا مصدقين لرسوله فيما يأتيهم به من قبل الله ، لأنهم متى لم يطيعوه ولم يقبلوا منه لم يكونوا مؤمنين . وروي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قسم غنائم بدر بينهم عن تواء ، يعني سواء ، ولم يخمس وإنما خمس بعد ذلك . وقال الزجاج : { ذات بينكم } معناه حقيقة وصلكم ، والبين الوصل ، لقوله تعالى { لقد تقطع بينكم } اي وصلكم .