Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استدل - من قال : إن الايمان يزيد وينقص وان أفعال الجوارح قد تكون إيماناً - بهذه الآيات ، فقالوا : نفى الله ان يكون المؤمن إلا من إذا ذكر الله وجل قلبه وإذا تليت عليه آياته أي قرئت زادتهم الاية إيماناً ، بمعنى أنهم يزدادون عند تلاوتها ايماناً ، وانهم على الله يتوكلون في جميع أمورهم { الذين يقيمون الصلاة } بمعنى يأتون بها على ما بينها النبي صلى الله عليه وآله وينفقون مما رزقهم الله في ابواب البر . وإخراج الواجبات من الزكاة وغيرها . ثم وصفهم بأن هؤلاء الذين وصفهم بهذه الأوصاف هم المؤمنون حقاً ، يعني الذين اخلصوا الايمان ، لا كمن كان له اسمه على الظاهر ، وإن لهم الدرجات عند الله وهي المنازل التي يتفاضل بها بعضهم على بعض وإن لهم المغفرة والرزق الكريم فدل على أن من ليس كذلك ليس له ذلك . ومن خالف في ذلك قال : هذه اوصاف افاضل المؤمنين ، وخيارهم ، وليس يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات وان لم يتفاضلوا في الايمان ، يبين ذلك انه قال في اول الاية { إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ووجل القلب ليس بواجب بلا خلاف ، وانما ذلك من المندوبات . وقوله { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون } لانه اذا صدق بآية آية انها من عند الله ، فلا شك ان معارفه تزداد وإن لم يزد بفعل الجوارح . وقوله { الذين يقيمون الصلاة } يدخل في ذلك الفرائض والنوافل ، ولا شك أن الاخلال بالنوافل لا يخرج من الايمان ولا ينقص منه عند الأكثر . والانفاق أيضاً قد يكون بالواجب والنفل . والاخلال بما ليس بواجب منه لا يخرج من الايمان بلا خلاف . وقوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } يبين ذلك انه اشار به : إلى خيارهم وافاضلهم ، لأن هذه اوصافهم فمن اين ان غيرهم وإن كان دونهم في المنزلة لا يكون مؤمناً ؟ ! وقال ابن عباس : اراد ان المنافق لا يدخل قلبه شيء من ذلك عند ذكر الله . وأن هذه الأوصاف منتفية عنه . والوجل والخوف والفزع واحد ، يقال وجل فلان يوجل وجلا ، ويقال ياجل وييجل وأفصحها يوجل . قال الله تعالى " لا توجل " أي لا تخف وقال الشاعر : @ لعمرك ما ادري وإني لأوجل على أينا تعدوا المنية أول @@ وإنما وصفهم بالوجل - ها هنا - وباطمئنان القلوب في قوله : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } لأن الوجل يكون بالخوف من عقابه وبارتكاب معاصيه . والاطمئنان بذكر الله معناه : بنعمه وعدله ، ووصفهم بالوجل يكون في دار الدنيا ، وأما في الآخرة فانه { لا يحزنهم الفزع الأكبر } وقال الربيع : معنى زادتهم إيماناً زادتهم حسنة ، والدرجات عند الله ، قال قوم : معناه أعمال رفيعة وقضائل استحقوها في أيام حياتهم - ذهب اليه مجاهد - وقال غيره : معناه لهم مراتب رفيعة . والرزق الكريم ، قال قتادة : هو الجنة . وقال غيره : هو ما اعد الله ووعدهم به في الجنة من انواع النعيم والمغفرة يعني لذنوبهم ومعاصيهم سترها الله عليهم . وقوله { حقاً } منصوب بمعنى دلت عليه الجملة ، وهي قوله { أولئك هم المؤمنون } والمعنى احق ذلك حقاً . والتوكل هو الثقة بالله في كل امر يحتاج اليه تقول وكلت الأمر إلى فلان ، إذا جعلت اليه القيام به ، ومنه الوكيل القائم بالامر لغيره . والكريم القادر على النعم من غير مانع ، ولم يزل الله كريماً بهذا المعنى .