Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-6)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

من مد الف { كما } فلأن المد يقع في حروف اللين ، وهي الالف والواو والياء ، فاذا كان الحروف منها قبل همزة ، وكانت الواو والياء ساكنتين والالف لا تكون الا ساكنة مدوا الالف كألف هذه الكلمة ، وكقوله { من السماء من ماء } بمد الف السماء والف ماء ، والياء نحو قوله { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } بمد الياء من الهوي ، والواو نحو قوله { قالوا أأنت فعلت هذا } بمد الواو . واختلفوا في الكاف من قوله { كما } إشارة إلى ماذا ؟ فقال الزجاج وغيره : قوله { كما أخرجك } معطوف على قوله { قل الأنفال لله والرسول } والمعنى في ذلك أن رسول الله لما جعل النفل لمن جعله له وسلمه المؤمنون لذلك على كراهية بعضهم له كراهية طباع ، فقال { الأنفال لله والرسول } فامض لذلك ، وإن كرهه قوم كما مضيت { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وهم كارهون أيضاً لأنهم كانوا كرهوا خروجه الكراهية التي ذكرناها ، وليس على المؤمنين في هذه الكراهية حرج ، إذا سلموا الأمر لله ورسوله وعملوا بما فيه طاعاتهما . وقال غيره : ذلك معطوف على قوله { يسألونك عن الأنفال } كأنه قال : يسألونك الأنفال كما جادلوك عند ما اخرجك ربك من بيتك ، فذلك قوله { يجادلونك في الحق بعد ما تبين } . وقال قوم : يجوز أن يكون الكاف عطفاً على قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً … كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } . وقال بعضهم { كما أخرجك ربك من بيتك … فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } . وقال مجاهد { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق … يجادلونك في الحق من بعد ما تبين } يعني يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به . وقال الفراء : قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } جواب قوله { وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } فقال : فامض لأمرك في الغنائم على ما شئت { كما أخرجك ربك } مجاز اليمين كأنه ، قال والذي اخرجك ربك ، فتكون " ما " في موضع الذي كقوله { وما خلق الذكر والأنثى } وتقديره والذي خلق الذكر ، وقال ابو عبيدة معمر بن المبنى : " ما " في قوله { كما أخرجك } كما في قوله { وما بناها } اي وبنائها . وقال عكرمة : المعنى { اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } فان ذلك خير لكم { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وكان خير لكم . وقال بعضهم : الكاف بمعنى ( على ) كأنه قال : إمض على الذي اخرجك من بيتك . والحق الذي جادلوا فيه هو القتال في قول مجاهد . و { بيتك } يراد به المدينة ، اخرجه الله إلى بدر - في قوله ابن جريج ، وابن ابي نجيح واكثر المفسرين - ووجه كراهية القتال - ما ذكره ابن عباس - من ان أبا سفيان لما اقبل بعير قريش من الشام فيها أموالهم ، ندب النبي صلى الله عليه وآله المسلمين إلى الخروج اليها ، قال لعل الله أن ينفلكموها ، فانتدب اليهم ، فخف بعضهم ، وثقل بعضهم ، ولم يظنوا أن رسول الله ملقي كيداً ولا حزنا ، وهو قول السدي والمفسرين . واختلفوا في المؤمنين الذين كرهوا القتال ، وجادلوا النبي صلى الله عليه وآله . فقال قوم : أراد به أهل الايمان يوم بدر - ذكر ذلك عن ابن عباس ، وابن اسحاق - وقال قوم : عنى المشركين - ذهب اليه ابن زيد - وقال : هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعوهم إلى الاسلام ، وهم ينظرون ، قال وتكون هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر . وقول ابن عباس هو الظاهر ، وعليه اكثر المفسرين ، وهو ان هذا صفة للمؤمنين لكن كرهوا ذلك كراهية الطبع ، لكونهم غير مستعدين للقتال ، ولقلتهم وكثرة المشركين ، ويقوي ذلك قوله بعد هذه الآية { وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم } فبين بذلك انهم كانوا يودون العير دون الحرب . وقوله { بعد ما تبين } انك يا محمد لا تصنع إلا ما امرك الله به . وقال ابن عباس معناه يجادلونك في القتال بعد ما امرت به . والجدل شدة الفتل ومنه قولهم : جدلت الزمام إذا شددت فتله ، والاجدل الصقر لشدته . وقوله { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } معناه كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو في كراهتهم للقتال إذا دعوا اليه وصعوبته عليه بمنزلة من يساق إلى الموت ، وهم يرونه أو يتوقعونه . والسوق الحث على السير عجلة . والاخراج في الاية معناه الدعاء إلى الخروج الذي يقع به ، تقول : اخرجه فخرج اي دعاه فخرج ، ومثله اضربت زيداً عمراً ، فضربه وسمي البيت بيتاً لأنه جاء مهيئاً للبيتوتة فيه . وقوله " من بيتك " قال الحسن وابن ابي برة وابن جريج معناه من المدينة .