Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-23)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى { كلا } أي ليس الأمر ينبغي أن يكون على هذا ، وقوله { إنها تذكرة } أي كلا إن السورة تذكرة { فمن شاء ذكره } أي التنزيل أو الوعظ . وقال قوم : الهاء عماد ، والمبتدأ محذوف وتقديره إنها هي تذكرة . والتذكرة حضور الموعظة ففيها أعظم الفائدة وفي الغفلة اكبر الآفة . والفرق بين التذكرة والمعرفة أن التذكرة ضد الغفلة والمعرفة تضاد الجهل والسهو ، فكلاهما يتعاقبان على حال الذكر دون السهو ، كتعاقب العلم وأضداده على حال الذكر دون السهو ، والذكر معظم ، لانه طريق إلى العلم بالحق من الباطل والصحيح من الفاسد . وقيل : إن قوله { كلا } دال على أنه ليس له ان يفعل ذلك في ما يستأنف . فاما الماضي فلم يدل على انه معصية ، لأنه لم يتقدم النهي عنه . وقوله { فمن شاء ذكره } دليل على بطلان مذهب المجبرة في أن القدرة مع الفعل ، وأن المؤمن لا قدرة له على الكفر ، وأن الكافر لا يقدر على الايمان ، لأنه تعالى بين أن من شاء ان يذكره ذكره ، لانه قادر عليه . وقوله { في صحف مكرمة } أي ما ذكرناه تذكرة في صحف مكرمة أي معظمة مبجلة ، ووصفت الصحف بأنها مكرمة تعظيماً لما تضمنته على الحكمة . وقوله { مرفوعة مطهرة } أي مصونة عن ان تنالها أيدي الكفار الانجاس . وقال الحسن : مطهرة من كل دنس . وقوله { مرفوعة مطهرة } أي رفعها الله عن دنس الانجاس ونزهها عن ذلك . وقوله { بأيدي سفرة } قيل السفرة ملائكة موكلون بالاسفار من كتب الله . والسفرة الكتبة لاسفار الحكمة ، واحدهم سافر ، كقولك كاتب وكتبة ، وواحد الاسفار سفر . وأصله الكشف من الأمر ، سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها ، فالكاتب يسفر بالكتاب عما في النفس . وقال ابن عباس : السفرة الكتبة ، وفي رواية أخرى عنه إنها الملائكة . وقال قتادة : هم القراء : وقيل : هم الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسوله ، وسفير القوم الذي يسفر بينهم في الصلح ، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم ، قال الشاعر : @ ولم أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت @@ واسفر الصبح إذا أضاء . وقوله { كرام بررة } من صفة السفرة ، وصفهم الله بأنهم كرام ، وهو جمع كريم ، وهو الذي من شأنه أن يأتي بالخير من جهته مهناً من غير شائب يكدره . وهي صفة مدح ، ومنه أخذت الكرمة لشرف ثمرتها ، والكرم يتعاظم ، فالنبي أكرم ممن ليس بنبي ، والمؤمن اكرم ممن ليس بمؤمن . و { البررة } جمع بار ، تقول برّ فلان فلاناً يبره فهو بار إذا أحسن اليه ونفعه . والبر فعل النفع اجتلاباً للمودة . والبار فاعل البر ، وجمعه بررة مثل كاتب وكتبة . وأصله اتساع النفع منه ، ومنه البر سمي به تفاؤلا باتساع النفع به ، ومنه البر لاتساع النفع به . ورجل برّ ، وامرأة برّة والجمع بررة ، ولا يجمع الا على هذا استغنا به . وقوله { قتل الإنسان ما أكفره } معناه لعن الانسان ، قال مجاهد : وهو الكافر . وقيل : معناه إنه حل محل من يدعى عليه بالقتل في ماله بقبح الفعل ، فيخرجه مخرج الدعاء عليه ولا يقال : إن الله دعا عليه بالقتل لقبح اللفظ بذلك لما يوهم من تمني المدعو به . ومعنى { ما أكفره } أي شيء اكفره ؟ ! على وجه التقريع له والتوبيخ . وقيل معناه النفي ، وتقديره ما أجحده لنعم الله مع ظهورها { من أي شيء خلقه } تعجيباً له ، لأنه يعلم أن الله خلقه من نطفة ، ثم بين تعالى مماذا خلقه فقال { من نطفة خلقه فقدره } فالتقدير جعل الشيء على مقدار غيره ، فلما كان الانسان قد جعل على مقدار ما تقتضيه الحكمة فى أمره من غير زيادة ولا نقصان كان قد قدر أحسن التقدير ، ودبر أحسن التدبير { ثم السبيل يسره } أي سهل له سبيل الخير فى دينه ودنياه بأن بينه له وأرشده اليه ورغبه فيه ، فهو يكفر هذا كله ويجحده ويضيع حق الله عليه في ذلك من الشكر وإخلاص العبادة . وقال ابن عباس وقتادة والسدي : يسر خروجه من بطن أمه . وقال مجاهد : سهل له طريق الخير والشر ، كقوله { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } وقال الحسن : سبيل الخير ، وقال ابن زيد : سبيل الثواب ، وقال الحسن { يسره } معناه بصره طريق الهدى والضلال . وقيل يسر خروجه من بطن أمه ، فانه كان رأسه الى رأس أمه ورجلاه إلى رجليها ، فقلبه الله عند الولادة ليسهل خروجه منها . وقالوا : يسرى ويسراة جمعوه على ( فعلة ) وأجروه مجرى ( فاعل ) من الصحيح . وقوله { ثم أماته فأقبره } فالاماتة أحداث الموت . وفي الناس من قال : الاماتة عرض يضاد الحياة مضادة المعاقبة على الحال الواحدة ، وهي حال تعديل البنية الحيوانية ، وذلك أن ما لا يصح أن تحله حياة لا يصح أن يحله موت . وقال قوم : الموت عبارة عن نقض البنية الحيوانية أو فعل ما ينافي ما تحتاج اليه الحياة من الرطوبات والمعاني . وقوله { فأقبره } الاقبار جعل القبر لدفن الميت فيه ، يقال : أقبره إقباراً ، والقبر الحفر المهيأ للدفن فيه ، ويقال : أقبرني فلاناً أي جعلني اقبره فالمقبر هو الله تعالى يأمر عباده أن يقبروا الناس إذا ماتوا ، والقابر الدافن للميت بيده قال الاعشى : @ لو اسندت ميتاً الى نحرها عاش ولم ينقل الى قابر حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر @@ وقوله { ثم إذا شاء أنشره } فالانشار الاحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي انشر الله الموتى فنشروا كقولهم احياهم فحيوا ، والمشيئة هي الارادة والمعنى إذا شاء الله تعالى أن يحيي الميت احياه - وهو قول الحسن - للجزاء بالثواب والعقاب . وقوله { كلا لما يقض ما أمره } معناه كلا لما لم يقض ما عليه مما أمره الله به ، لأنه قد أمره بأشياء واجبة فلم يفعلها : من إخلاص عبادته وشكره بحسب مقتضى نعمه . وقال مجاهد : لا يقضي أحد أبداً كل ما افترض الله عليه .