Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 24-32)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة { أنا صببنا } بفتح الألف على البدل من { طعامه } أو على انه خبر مبتدإ محذوف . الباقون بالكسر على الاستئناف . يقول الله تعالى لخلقه منبهاً لهم على قدرته على احياء الخلق بعد موتهم ونشرهم ومجازاتهم بأن أمره ان ينظر إلى طعامه الذي يأكله ويتقوّته ، ويفكر كيف يخلقه الله ويوصله اليه ويمكنه من الانتفاع به . وبين كيفية ذلك فقال { إنا صببنا الماء صباً } أي انزلنا الغيث إنزالا { ثم شققنا الأرض شقاً } فالشق قطع الشيء طولا ومثله الصدع والفرج والفطر ، ومن ذلك شق الارض وشق الخشبة وشق الشعرة فأما قطع الليطة ، وقطع الشجر ، فعلى خلاف ذلك ، فبين تعالى أنه يشق الارض ويخرج منها ما أنبته من أنواع النبات . ومن فتح { أنا } على البدل ، فعلى انه بدل اشتمال ، ويكون موضعه جراً فتقديره فلينظر إلى أنا صببنا . وقال آخرون : موضعه نصب ، لان الأصل بـ { أنا } و ( لأنا ) فلما أسقط الخافض نصب على المعنى ، فتقديره فلينظر الانسان إلى حدوث طعامه او نبات طعامه ، لانه موضع الاعتبار . وقال المبرد : تقديره فلينظر الانسان إلى طعامه ، لأنا صببنا فأخرجنا أي لهذه العلة كان طعامه ، لان قوله { إنا صببنا } ليس من الطعام فى شيء ، وقال ابو علي : وهو بدل الاشتمال ، لان ما ذكره يشتمل على الطعام فهو بمنزلة قوله { قتل أصحاب الأخدود النار } وقوله { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً … } فالانبات إخراج النامي حالا بعد حال ، يقال أنبته الله انباتاً فنبت نباتاً ، ففاعل النبات والانبات واحد إلا أن الانبات يؤخذ منه صفة المنبت ، والنبات يؤخذ منه النابت . وليس النبات فاعلا لكنه الصائر على تلك الصفة بتصيير غيره ، غير انه لما أسند الفعل اليه اشتق له منه اسم الفاعل . والحب جمع الحبة مثل الشعير والحنطة والسمسم والدخن والارز وغير ذلك ، وكذلك يسمى حب اللؤلؤ تشبيهاً بذلك فى تدويره . والقضب الرطبة - فى قول الضحاك ، والفراء - وأهل مكة يسمون القث قضباً . وأصله فيما يقطع رطباً من قولهم : قضبته وأقضبته قضباً إذا قطعته رطباً ، ومنه القضيب والمقتضب . والزيتون معروف . وإنما ذكره الله تعالى لعظم النفع به والدهن الذي يكون منه { ونخلا } أي وانبتنا من الارض نخلا وهو شجر الرطب والتمر { وحدائق غلباً } فالحديقة البستان المحوط وجمعه حدائق ، ومنه أحدق به القوم إذا أحاطوا به ، ومنه الحدقة لما احاط بها من جفنها . والغلب جمع أغلب وغلبا ، وهي الغلاظ بعظم الاشجار ، وشجرة غلباء إذا كانت غليظة قال الفرزدق : @ عوى فاثار اغلب ضيغمياً فويل ابن المراغة ما استثارا @@ وقوله { وفاكهة وأباً } يعني ثمر الاشجار التي فيها النفع والالذاذ ، يقال تفكه بكذا إذا استعمله للاستمتاع به والفاكهة تكون رطبة ويابسة . والأب المرعى من الحشيش وسائر النبات الذي ترعاه الانعام والدواب ، ويقال أبّا إلى سيفه فاستله كقولك هب اليه وبدر اليه ، فيكون كبدور المرعى بالخروج قال الشاعر : @ جدنا قيس ونجد دارنا ولنا الأب بها والمكرع @@ وقوله { متاعاً لكم ولأنعامكم } فالمتاع كل شيء فيه الذاذ الامساس من مأكل او منظر أو مشمم أو ملمس ، وأصله المصدر من قولهم : امتعته امتاعاً ومتاعاً ومتع النهار إذا ارتفع ، لأن ارتفاعه يستمتع به . فبين تعالى انه خلق ما خلق وانبت ما انبت من الارض لامتاع الخلق به من المكلفين وأنعامهم التي ينتفعون بها . والانعام الماشية بنعمة المشي من الابل والبقر والغنم بخلاف الحافر بشدة وطئه بحافره من الخيل والبغال والحمير .