Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 33-42)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { فإذا جاءت الصاخة } قال ابن عباس : هي القيامة . وقيل : هي النفخة الثانية التي يحيا عندها الناس . وقال الحسن : الصاخة هي التي يصيخ لها الخلق ، وهي النفخة الثانية . والصاخة هي الصاكة بشدة صوتها الآذان فتصمها ، صخ يصخ صيخاً ، فهو صاخ . وقد قلبها المضاعف باكراهه التضعيف ، فقال : أصاخ يصيخ اصاخة قال الشاعر : @ يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة الناشد للمنشد @@ ومثله تظنيت ، والاصل تظننت . ثم بين شدة أهوال ذلك اليوم فقال { يوم يفر المرء من أخيه و } من { أمه وأبيه و } من { صاحبته } التي هي زوجته فى الدنيا { وبنيه } يعني أولاده الذكور نفر من هؤلاء حذراً من مظلمة تكون عليه . وقيل : لئلا يرى ما ينزل به من الهوان والذل والعقاب . وقيل : نفر منه ضجراً به لعظم ما هو فيه . وقيل : لأنه لا يمكنه ان ينفعه بشيء ولا ينتفع منه بشيء وقوله { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } فالمراد به الذكر من الناس وتأنيثه امرأة ، فالمعنى إن كل انسان مكلف مشغول بنفسه لا يلتفت إلى غيره ، من صعوبة الأمر وشدة أهواله . والشأن الأمر العظيم ، يقال : لفلان شأن من الشأن أي له أمر عظيم ، وأصله الواحد من شؤن الرأس ، وهو موضع الوصل من متقابلاته التي بها قوام أمره . ومعنى { يغنيه } أي يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه من الامر الذي قد اكتنفه وملأ صدره ، فصار كالغني عن الشيء فى أمر نفسه لا تنازع اليه . ثم قسم تعالى احوال العصاة والمؤمنين ، فقال { وجوه يومئذ مسفرة } أي مكشوفة مضيئة ، فالاسفار الكشف عن ضياء من قولهم : أسفر الصبح إذا أضاء ، وسفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها ، ومنه السفر ، لأنه يكشف عن أمور تظهر به ، قال توبة الحميري . @ وكنت إذا فاجأت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها @@ أي كشفها قناعها . وقوله { ضاحكة مستبشرة } أي من فرحها بما اعددنا لها من الثواب تكون ضاحكة مسرورة . والضحك الاستبشار وإن إضيف إلى الوجه ، فالمراد به أصحاب الوجوه ، فأما الاسفار والاشراف فيجوز ان يكون للوجوه خاصة بما جعل الله فيها من النور ، لتفرق الملائكة بين المؤمنين والكفار . ثم قال { ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة } أي يكون على تلك الوجوه غبار وجمعه غبرة { ترهقها } أي تغشاها " قترة " وهي ظلمة الدخان ، ومنه قترة الصائد موضعه الذي يدخن فيه للتدفي به . ثم اخبر أن من كان على وجهه الغبرة التي تغشاها القترة { هم الكفرة } جمع كافر { الفجرة } جمع فاجر ، كما أن كاتباً يجمع كتبة ، وساحراً يجمع سحرة . وليس فى ذلك ما يدل على مذهب الخوارج من ان من ليس بمؤمن لا بد أن يكون كافراً من حيث أن الله قسم الوجوه هذين القسمين . وذلك انه تعالى ذكر قسمين من الوجوه متقابلين ، وجوه المؤمنين ووجوه الكفار ، ولم يذكر وجوه الفساق من أهل الملة . ويجوز ان يكون ثَم صفة اخرى بخلاف ما لهذين ، بان يكون عليها غبرة لا يغشاها قترة او يَكون عليها صفرة ، ولو دل ذلك على ما قالوه لوجب أن يدل قوله { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } على أن كل من لا يبيض وجهه من المؤمنين يجب ان يكون مرتداً ، لانه تعالى قال لهم { أكفرتم بعد إيمانكم } والخوارج لا تقول ذلك ، لان من المعلوم ان - ها هنا - كفاراً فى الأصل ليسوا مرتدين عن الايمان .