Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-29)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ورويس " بظنين " بالظاء أي ليس على الغيب بمتهم ، والغيب هو القرآن ، وما تضمنه من الاحكام وغير ذلك من اخباره عن الله . الباقون - بالضاد - بمعنى انه ليس بخيلا لا يمنع أحداً من تعليمه ولا يكتمه دونه . وفى المصحف بالضاد . قوله { فلا أقسم بالخنس } معناه إقسم و ( لا ) صلة . وقد بينا نظائره فيما مضى . و { الخنس } جمع خانس ، وهو الغائب عن طلوع ، خنست الوحشية فى الكناس إذا غابت فيه بعد طلوع . وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أن الخنس النجوم لانها تخنس بالنهار وتبدو بالليل . وقيل : تخنس في مغيبها بعد طلوعها ، وبه قال الحسن ومجاهد . وقال ابن مسعود وسعيد بن جبير والضحاك : هي الظباء . وقيل : القسم بالنجوم الخنس بهرام وزحل والمشتري وعطارد والزهرة . وقوله " الجوار الكنس " معناه النجوم التى تجري فى مسيرها ثم تغيب فى مغاربها على ما دبّره تعالى فيها ففي طلوعها ، ثم جريها فى مسيرها ، ثم غيبتها فى مواقفها من الآية العظيمة والدلالة الباهرة المؤدية إلى معرفته تعالى ما لا يخفى على متأمل معرفته وعظيم شأنه ، فالجارية النجوم السيارة ، والجارية السفن فى البحار ، والجارية المرأة الشابة . وقوله { الكنس } نعت لـ { الجوار } وهو جمع ( كانس ) وهي الغيب فى مثل الكناس ، وهو كناس الوحشية بيت تتخذه من الشجرة تختفي فيه ، قال طرفة : @ كأن كناسي ضالة مكنفانها واطرقسيّ تحت صلب مؤيد @@ وقوله { والليل إذا عسعس } قسم آخر ، ومعنى { عسعس } أدبر بظلامه - فى قول أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد - وقال الحسن ومجاهد في رواية والفضل بن عطية : أقبل بظلامه ، وتقول العرب : عسعس الليل إذا أدبر بظلامه . قال علقمة بن قرط : @ حتى إذا الصبح لها تنفساً وانجاب عنها ليلها وعسعسا @@ وقيل : عسعس دنا من أوله واظلم ، والعس طلب الشيء بالليل ، عسّ يعس عساً ، ومنه أخذ العسس . وقال صاحب العين : العس نقض الليل عن أهل الريبة والعس قدح عظيم من خشب أو غيره ، وكأن أصله امتلاء الشيء بما فيه ، فقدح اللبن من شأنه أن يمتلئ به ، ويمتلىء الليل بما فيه من الظلام ، وعسعس أدبر بامتلاء ظلامه . وقال الحسن { والليل إذا عسعس } معناه إذا أظلم والصبح إذا تنفس إذا أسفر . وقوله { والصبح إذا تنفس } قسم آخر بالصبح إذا أضاء وامتد ضوءه يقال : تنفس الصبح وتنفس النهار إذا امتد بضوئه ، والتنفس امتداد هواء الجوف بالخروج من الفم والأنف يقال : تنفس الصعداء . وقوله { إنه لقول رسول كريم } جواب الاقسام التى مضت ، ومعنى { إنه لقول } يعني القرآن { رسول كريم } وهو جبرائيل عليه السلام - فى قول قتادة والحسن - بمعنى إنه سمعه من جبرائيل ، ولم يقله من قبل نفسه . وقال : يجوز أن يراد به محمد صلى الله عليه وآله فانه أتى به من عند الله . وقوله { ذي قوة } معناه قوي على أمر الله . وقيل : معناه قوي في نفسه - في قول من قال : عنى به جبرائيل - لان من قوته قلبه قريات لوط بقوادم اجنحته . وقوله { عند ذي العرش } معناه عند الله صاحب العرش { مكين } أى متمكن عنده ، وفي الكلام تعظيم للرسول بأنه كريم ، وأنه مكين عند ذي العرش العظيم وأن الله تعالى أكد ذلك اتم التأكيد . وقوله { مطاع ثم أمين } من قال المراد بالرسول جبرائيل ، قال معناه إنه مطاع في الملائكة ، أمين على وحي الله . ومن قال : عنى به الرسول صلى الله عليه وآله قال : معناه إنه يجب أن يطاع وأن من أطاعه فيما يدعوه اليه كان فائزاً بخير الدنيا والآخرة . ويرجو بطاعته الثواب ويأمن من العقاب ، وإنه صلى الله عليه وآله كان يدعى الأمين قبل البعث فالامين هو الحقيق بأن يؤتمن من حيث لا يخون ، ولا يقول الزور ، ويعمل بالحق في الامور . ثم خاطب تعالى جماعة الكفار فقال { وما صاحبكم بمجنون } أي ليس صاحبكم الذي يدعوكم إلى الله وإخلاص عبادته بمؤف العقل على ما ترمونه به من الجنون . والمجنون المغطى على عقله حتى لا يدرك الامور على ما هي به للافة الغامرة له ، فبغمور الآفة يتميز من النائم ، لان النوم ليس بآفة ولا عاهة . وقوله { ولقد رآه بالأفق المبين } معناه إن النبي صلى الله عليه وآله رأى جبرائيل عليه السلام على صورته التى خلقه الله عليها بالافق المبين ، فالافق ناحية من السماء يقال : هو كالنجم في الافق ، وفلان ينظر في أفق السماء . وقوله { مبين } أي هو ظاهر انه في أفاق السماء من غير تخيل لا يرجع إلى يقين . وقال الحسن وقتادة : الافق المبين حيث تطلع الشمس . وقوله { وما هو على الغيب بضنين } قال ابن عباس وسعيد بن جبير وابراهيم والضحاك : ، معناه ليس على وحي الله وما يخبر به من الاخبار بمتهم أي ليس ممن ينبغي أن يظن به الريبة ، لان أحواله ناطقة بالصدق والامانة . ومن قرأ بالضاد معناه ليس ببخيل على الغيب . وقوله { وما هو بقول شيطان رجيم } معناه أنه ليس هذا القرآن قولا لشيطان رجيم ، قال الحسن : معناه رجمه الله باللعنة . وقيل رجيم بالشهب طرداً من السماء ، فهو ( فعيل ) بمعنى ( مفعول ) . وقوله { فأين تذهبون } معناه أين تذهبون عن الحق الذي قد ظهر أمره وبدت أعلامه الى الضلال الذي فيه البوار والهلاك ، وهو استبطاء لهم فى القعود عن النبي صلى الله عليه وآله ، والعمل بما يوجبه القرآن ، فالذهاب هو المصير عن شيء الى شيء بالنفوذ فى الأمر . قال بعض بني عقيل : @ تصيح بنا حنفية إذ رأتنا وأي الارض نذهب بالصباح @@ يعني إلى أي الارض ، وقيل معناه فأي طريق يسلكون أبين من الطريق الذي بينه لكم { إن هو إلا ذكر للعالمين } يمكنكم أن تتوصلوا به إلى الحق . والذكر ضد السهو وعليه يتضاد العلم وأضداده ، لأن الذاكر لا يخلو من أن يكون عالماً او جاهلا مقلداً أو شاكا ، ولا يصح شيء من ذلك مع السهو الذي يضاد الذكر . وقال الرماني : الذكر إدراك النفس الذى يضاد للمعنى بما يضاد السهو . و " العالمين " جمع عالم . وقد فسرناه فى ما مضى . وقوله { لمن شاء منكم أن يستقيم } على أمر الله ووعظ . وقوله { وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين } قيل في معناه ثلاثة اقوال : احدها - وما تشاؤن من الاستقامة إلا وقد شاءها الله ، لانه قد جرى ذكرها فرجعت الكناية اليها ، ولا يجوز أن يشاء العبد الاستقامة إلا وقد شاءها الله ، لانه أمر بها ورغب فيها أتم الترغيب ، ومن ترغيبه فيه إرادته له . والثاني - وما تشاؤن شيئاً إلا أن يشاء الله تمكينكم منه ، لان الكلام يقتضي الاقتدار على تمكينهم إذا شاء ومنعهم إذا شاء . الثالث - وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ان يلطف لكم فى الاستقامة لما في الكلام من معنى النعمة . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال شيبتني ( هود ) وأخواتها ( الواقعة ) و { إذا الشمس كورت } وهو جميع ما وعظ الله به عباده . فان قيل : اليس ان أنساً لما سئل هل اختضب رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما شأنه الشيب ، فقال : أو شين هو يا أبا حمزة . فقال كلكم يكرهه ؟ قيل عنه جوابان احدهما - أنه روي أن علياً عليه السلام لما غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وجد فى لحيته شعرات بيضاء ، وما لا يظهر إلا بعد التفتيش لا يكون شيباً . الثاني - أنه أراد لو كان أمر يشيب منه إنسان لشبت من قراءة ما فى هذه السورة ، وما فيها من الوعيد كما قال { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } وإنما أراد عظم الأهوال على ما بيناه .