Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-28)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الكسائي وحده { خاتمه مسك } بألف قبل التاء . الباقون { ختامه مسك } فالختام مصدر ، والخاتم صفة ، ونظيره : رجل كريم الطابع والطباع قال الفرزدق : @ فبتن خبابتي مصرعات وبت افض اغلاق الختام @@ وقرأ ابو جعفر ويعقوب { تعرف } بضم التاء وفتح الراء { نضرة } بالرفع على ما لم يسم فاعله . الباقون بفتح التاء وكسر الراء ونصب { نضرة } . لما ذكر الله تعالى الفجار وما أعده لهم من أنواع العقاب وأليم العذاب ذكر الأبرار وهو جمع بر مثل جبل واجبال . والابرار الذين فعلوا الطاعات واجتنبوا المعاصي ، واخبر { إن كتاب الأبرار لفي عليين } أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة ، فقد عظمها الله تعالى بما يدل على عظم شأنها في النعمة ، وجمعت بالواو والنون تشبيها بمن يعقل في الفضل وعظم الشأن . وقال ابن عباس : العليون الجنة . وقال كعب وقتادة ومجاهد والضحاك : أرواح المؤمنين في السماء السابعة ، وقال الضحاك - في رواية - عليون سدرة المنتهى ، وهي التي اليها ينتهي كل شيء من أمر الله تعالى . وقيل : عليون علو على علو مضاعف ، ولهذا جمع بالواو والنون تفخيماً لشأنه قال الشاعر : @ فأصبحت المذاهب قد أذاعت به الاعصار بعد الوابلينا @@ يريد مطراً بعد مطر غير محدود العدد ، وكذلك تفخيم شأن العد الذي ليس على الواحد ، نحو ثلاثين إلى تسعين ، وجرت العشرون عليه . وقيل : عليون أعلى الأمكنة . وقال الحسن : معنى فى عليين في السماء . وقال الجبائي : معناه فى جملة الملائكة العليين ، فلذلك جمع بالواو والنون . ثم قال تعالى على وجه التعظيم لشأن هذه المنازل وتفخيم أمرها { وما أدراك ما عليون } لان تفصيلها لا يمكن العلم بها إلا بالمشاهدة دون علم الجملة . ثم قال { كتاب مرقوم } أي الكتاب الذي ثبت فيه طاعتهم { مرقوم } أي مكتوب فيه جميع طاعاتهم بما تقرّ به أعينهم وتوجب سرورهم بضد الكتاب الذي للفجار ، لان فيه ما يسؤهم ويسخن أعينهم { يشهده المقربون } أي يشهد هذا الكتاب الملائكة المقربون أي يشاهدون جوائزهم ويرونها . ومعنى المقربون - ها هنا - هم الذين قربوا إلى كرامة الله فى أجل المراتب . ثم اخبر تعالى { إن الأبرار } وهم أهل البر الذين فعلوه لوجهه خالصاً من وجوه القبح ، فالبر النفع الذي يستحق به الشكر والحمد يقال : برّ فلان بوالده فهو بار به وبرّ به ، وجمعه أبرار { لفي نعيم } أي ويحصلون فى ملاذ وأنواع من الفنع { على الأرائك ينظرون } قال ابن عباس : الارائك الاسرة . وقال مجاهد : هي من اللؤلئ والياقوت ، واحدها أريكة ، وهو سرير فى حجلة ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الملك والكرامة ، والحجلة كالقبة على الاسرة ، ثم قال { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } أي تتبين في وجوههم إشراق النعمة والسرور بها . وقوله { يسقون من رحيق } فالرحيق الخمر الصافية الخالصة من كل غش . قال الخليل : هي أفضل الخمر وأجودها قال حسان : @ يسقون من ورد البريص عليهم برداً يصفق بالرحيق السلسل @@ وقوله { مختوم } قيل إن هذا الخمر مختوم في الآنية بالمسك ، وهو غير الذي يجري في الانهار . وقوله { ختامه مسك } قيل في معناه قولان : أحدهما - ان مقطعه مسك بأن يوجد ريح المسك عند خاتمة شربه - ذكره ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك . والثاني - أنه ختم اناؤه بالمسك بدل الطين الذي يختم بمثله الشراب في الدنيا - ذكره مجاهد وابن زيد - ومن قرأ { خاتمه } مسك أراد آخر شرابه مسك ويفتح التاء في { خاتمه } لان العرب تقول : خاتم وخاتم وخاتام وخيتام . ومن قرأ { ختامه } أراد شرابهم مختوم بالمسك . والمسك معروف ، وهو أجل الطيب سمي مسكاً ، لأنه يمسك النفس لطيب ريحه والمسك - بالفتح - الجلد لامساكه ما فيه { وفي ذلك } يعني في ذلك النعيم الذي وصفه الله { فليتنافس المتنافسون } فالتنافس تمني كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الاخرى أن يكون له تنافسوا في الشيء تنافساً ونافسه فيه منافسة ، والجليل الذي ينفس بمثله نفيس ، ونفس عليه بالأمر ينفس نفاسة إذا ضن به لجلالته . وقوله { ومزاجه } أي مزاج ذلك الشراب الذى وصفه { من تسنيم } فالمزاج خلط المائع بالمائع كما يمزج الماء الحار بالبارد ، والشراب بالماء . يقال أمزجه مزجاً وامتزج امتزاجا ومازجه ممازجة وتمازجا تمازجاً . والتسنيم عين الماء يجري من علو إلى سفل يتسنم عليهم من الغرف ، واشتقاقه من السنام ، وقال عكرمة : من تشريف ، ويقال : سنام البعير لعلوه من بدنه . وقوله { عيناً يشرب بها المقربون } قيل في نصب { عين } وجوه : أولها - أن { تسنيم } معرفة و { عيناً } قطع منها ، أو حال . الثاني - أن يكون { تسنيم } مصدراً فيجري مجرى { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً } الثالث - على تقدير أعني عيناً ، مدحاً . الرابع - يسقون عيناً ، والباء زائدة ، يقال : شربت عيناً وشربت بالعين وقد فسرناه في { هل أتى } .