Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 7-17)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى حفص عن عاصم والمسيبي إلا هبة ( بل ران ) باظهار اللام . الباقون بالادغام . وأمال اهل الكوفة إلا الأعشى والبرجمي { ران } . قيل فى اصل قوله { كلا } قولان : احدهما - إنها كلمة واحدة من غير تركيب وضعت للردع والزجر ، وجرى ذلك مجرى الاصوات من نحو ( صه ، ومه ) وما اشبههما . والثاني - أن يكون الكاف للتشبيه دخلت على ( لا ) وشددت للمبالغة فى الزجر مع الايذان بتركيب اللفظ . ومعنى الآية ارتدعوا أيها الكفار والعصاة وانزجروا عن المعاصي معاشر الكفار ، ليس الامر على ما تظنون بل { إن كتاب الفجار } يعني كتابهم الذي نبتت أعمالهم من المعاصي والفجور { لفي سجين } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني في الارض السابعة السفلى ، وهو قول الضحاك . وقال مجاهد : تحت صخرة فى الارض السابعة السفلى ، وروي فى الخبر أن { سجين } جب فى جهنم . وقال ابو عبيدة : سجين شديد ، وأنشد : @ ضرباً تواصى به الأبطال سجينا @@ يعني شديداً ، فكأنه كشدة السجن ، ويكون معناه شديد عذابه . وقيل : السجين هو السجن على التخليد فيه ، فهو ( فعيل ) من سجنته أسجنه سجناً ، وفيه مبالغة ، كما يقال : شرّيب من الشرب ، وسكير من السكر ، وشرير من الشر . وقيل : الوجه في جعل كتاب الفجار في سجبن أن تخليده فيه يقوم مقام التقريع وإن عقابهم لا يفنى ولا يبيد كما لا يفنى كتاب سيئاتهم ولا يبيد ، ثم قال على وجه التعظيم والتفخيم و { ما أدراك ما سجين } أي تفصيله لا تعلمه وإن علمته مجملا . ثم قال مفسراً لذلك { كتاب مرقوم } فالرقم طبع الخط بما فيه علامة لأمر يقال : رقمه يرقمه رقماً فهو راقم والشيء مرقوم ومنه رقمت الثوب بعلامة لئلا يختلط . والمعنى إن هذا الكتاب الذي هو في السجن كتاب قد كتب فيه جميع أفعاله من المعاصي والكفر . ثم قال { ويل يومئذ للمكذبين } فهو تهديد لمن كذب بيوم الجزاء ولم يصدق بصحة الخبر بكونه ، ثم فسر من عنى من المكذبين ، فقال { الذين يكذبون بيوم الدين } يعني يوم الجزاء ، وهو يوم القيامة ، لان من كذب بالباطل وجحده لا يتوجه اليه الوعيد بل هو ممدوح فلو أطلق كان فيه إبهام . ثم قال { وما يكذب به } أي ليس يكذب بيوم الجزاء { إلا كل معتد أثيم } فالمعتدي المتجاوز الحق إلى الباطل ، يقال : اعتدى اعتداء ، فهو معتد . والعادي الخارج عن الحق ، عدا يعدو عدواناً وأصله مجاوزة الحد ومن ذلك العداوة وهي مجاوزة الحد فى الابغاض ، والعدو مجاوزة الحد فى اسراع المشي ، والاثيم مكتسب القبيح أثم يأثم إثماً فهو آثم واثيم وأثمه تأثيماً إذا نسبه إلى الاثم ، وتأثم من فعل كذا كقولك تحرج منه للاثم به وقال قتادة : اثيم في مريته ، ثم وصف المعتدي الأثيم ، فقال { إذا تتلى عليه آياتنا } أي اذا قرئت عليه حجج الله من القرآن وما فيه من الادلة { قال أساطير الأولين } فواحد الاساطير أسطورة مثل أحدوثه وأحاديث . وقيل : معناه أباطيل الأولين . وقيل : معناه هذا ما سطره الأولون أي كتبوه ، ولا أصل له . ثم قال تعالى { كلا بل ران على قلوبهم } معناه ليس الامر على ما قالوه بل غلب على قلوبهم يقال منه : رانت الخمر على عقله ترين ريناً إذا سكر فغلبت على عقله ، فالرين غلبة السكر على القلب . قال ابو زبيد الطائي : @ ثم لما رأوه رانت به الخمر وإن لا يرينه بالقاء يرينه @@ أي مخافة يسكر ، فهي لا تبقيه وقال الراجز : @ لم تروحني نكرت ورين بي ورين بالسافي الذي أمسى معي @@ وقال الحسن : وقتادة : الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب . وقال ابن زيد : غلبت الذنوب على القلوب ، فلا يخلص اليها خير العلوم . وقيل : معنى " ران " غطى وعشى . وقوله { ما كانوا يكسبون } ( ما ) في موضع رفع ، لأنها الفاعلة لران وما يكسبون يعني من المعاصي ، لان الطاعات وان كسبوها فما رانت على قلوبهم قال البلخي : وفي ذلك دلالة على صحة ما يقوله أهل العدل في تفسير الطبع والختم والاضلال ، لانه تعالى اخبر انهم الذين يجعلون الرين على قلوبهم . ثم قال { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } قال الحسن وقتادة : هم محجوبون عن احسانه . وقيل : عن كرامته . وقيل : لممنوعون . وأصل الحجب المنع . ومنه قولهم : الاخوة تحجب الأم عن الثلث الى السدس . ثم بين تعالى ما يفعل بهم فقال { ثم إنهم لصالوا الجحيم } ومعناه لازموا الجحيم بكونهم فيها لا يغيبون عنها يقال : صلى بالنار يصلي صلياً ، فهو صال والمصطلي الملازم للنار للتدفي بها . ثم حكى انه يقال لهم على وجه التقريع والتبكيت : هذا الذي فعل بكم من العقاب { هو الذي كنتم به تكذبون } في دار التكليف ، وانما سمي مثل هذا الخطاب تقريعاً لأنه خبر بما يقرع بشدة الغم على وجه الذم ، فكل خبر على هذا الوصف فهو تقريع وتوبيخ .