Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 11-22)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي إلا قتيبة وخلف { المجيد } بالخفض جعلوه نعتاً للعرش . الباقون بالرفع على أنه نعت لله تعالى ، وقرأ نافع " محفوظ " بالرفع . الباقون بالخفض نعتاً للوح . ومن رفع جعله نعتاً للقرآن . اخبر الله تعالى عن صفة المؤمنين ، فقال { إن الذين آمنوا } أي صدقوا بتوحيد الله واخلاص عبادته { وعملوا الصالحات } من الاعمال ، واجتنبوا القبائح { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } أى لهم بساتين تجري من تحت أشجارها الانهار { ذلك الفوز الكبير } فالفوز النجاة بالنفع الخالص ، وأصله النجاة ، وقيل للمهلكة مفازة تفاؤلا كأنه قيل : منجاة ، وفاز فلان بكذا أى خلص له نفعه ، يفوز فوزاً . ولا يقال إلا في تعظيم النفع الذى صار له ، وإنما ذكر الكبير - ها هنا - لان النعيم لهؤلاء العاملين كبير بالاضافة إلى نعيم من لا عمل له ممن يدخل الجنة ، لما فيه من الاجلال والاكرام والمدح والاعظام . وقيل : الفوز الحظ الواقع من الخير . ثم قال متوعداً ومتهدداً للكفار والعصاة { إن بطش ربك لشديد } يا محمد والبطش الاخذ بالعنف ، بطش به يبطش بطشاً ويبطش ايضاً ، فهو باطش ، وإذا وصف بالشدة فقد تضاعف مكروهه وتزايد إيلامه . وقوله { إنه هو يبدئ ويعيد } قال ابن عباس : معناه إنه يبدأ العذاب ويعيده لاقتضاء ما قبله ذلك . وقال الحسن والضحاك وابن زيد : يبدأ الخلق ويعيده لان الاظهر فى وصفه تعالى بأنه المبدئ المعيد العموم في كل مخلوق { وهو الغفور } يعني الستار على خلقه معاصيهم { الودود } أى واد لهم ومحب لمنافع خلقه { ذوالعرش المجيد } ومعناه صاحب العرش ، العظيم المجيد وقال ابن عباس : معناه الكريم . وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً المجيد بالجر جعلوه نعتاً للعرش . ومعناه ذو العرش الرفيع . الباقون بالرفع جعلوه نعتاً للغفور أى هو الغفور الودود المجيد ذو العرش ، قال المبرد : يجوز أن يكون نعتاً لقوله { إن بطش ربك … المجيد } فيكون قد فصل بينهما ، وفيه بعد لانه قال { لشديد } وقال { أنه هو يبدئ ويعيد ، وهو الغفور الودود ذو العرش } وفصل بهذا كله ، يقال : مجدت الابل تمجد مجوداً إذا رعيتها فرعت وشبعت . ولا فعل لك ، او أمجدتها أمجدها إمجاداً إذا اشبعتها من العلف وملأت بطونها ولا فعل لها في ذلك ، وفي المثل في كل شجر نار واستمجد المرح والغفار . ومعناه كثر ناره لانه ليس في الشجر أكثر ناراً من الغفار . وقوله تعالى { فعال لما يريد } معناه ما يشاؤه ويريده من أفعال نفسه يفعله لا يمنعه من ذلك مانع ولا يعترض عليه معترض ، ولا يجوز أن يكون المراد إنه فعال لكل ما يريد لان ذلك يقتضي انه فعال لكل ما يريد أن يفعله العباد ، وذلك انه يستحيل أن يفعل ما يريد أن يفعله العباد ، لأن في ذلك ابطال الامر والنهي والطاعة والمعصية والثواب والعقاب ، إذ لا يأمرهم أن يفعلوا ما قد فعله ، ولا ينهاهم عنه ، ولانه قد أراد من الكفار أن يؤمنوا ، لانه قد أمرهم بالايمان وما فعل إيمانهم وقد قال الله تعالى { وما الله يريد ظلماً للعالمين } ولو فعل ظلمهم لكان قد أراد ظلمهم . وقوله { هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود } معناه تذكر يا محمد حديثهم تذكر معتبر ، فانك تنتفع به ، وهذا من الايجاز الحسن والتفخيم الذي لا يقوم مقامه التصريح لما يذهب الوهم فى أمرهم كل مذهب ويطلب الاعتبار كل مطلب . وقوله { بل الذين كفروا في تكذيب } معناه بل هؤلاء الكفار الذين كفروا كذبوا بالبعث والنشور فاعرضوا عما يوجبه الاعتبار بفرعون وثمود ، واقبلوا على ما يوجبه الكفر والتكذيب من التأكيد ، ولم يعلموا أن { الله من ورائهم محيط } يقدر أن ينزل بهم ما انزل بفرعون . وقيل المعنى { هل أتاك حديث الجنود } وما كان منهم إلى انبيائهم فاصبر كما صبر الرسل قبلك { بل الذين كفروا في تكذيب } ايثاراً منهم لأهوائهم واتباعاً لسنن آبائهم . وقوله { والله من ورائهم محيط } أي هم مقدور عليهم كما يكون فيما احاط الله بهم ، وهذا من بلاغة القرآن . وقوله { بل هو قرآن مجيد } أي كريم فالمجيد الكريم العظيم الكريم بما يعطي من الخير ، فلما كان القرآن يعطي المعاني الجليلة والدلائل النفيسة كان كريماً مجيداً بما يعطي من ذلك ، لان جميعه حكم . وقيل : الحكم على ثلاثة أوجه لا رابع لها : معنى يعمل عليه فيما يخشى ويتقى ، وموعظة تلين القلب للعمل بالحق ، وحجة تؤدي إلى تمييز الحق من الباطل فى علم دين أو دنيا ، وعلم الدين أشرفهما وجميع ذلك موجود فى القرآن . وقوله { في لوح محفوظ } عن التغيير والتبديل والنقصان والزيادة . وقال مجاهد : المحفوظ أم الكتاب ، وقيل : انه اللوح المحفوظ الذي كتب الله جميع ما كان ويكون فيه - ذكره أنس بن مالك - أي كأنه بما ضمن الله من حفظه في لوح محفوظ ومن رفع { محفوظ } جعله صفة القرآن . ومن قرأه بالخفض جعله صفة اللوح .