Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { والسماء ذات البروج } قسم من الله تعالى بالسماء ، ومنهم من قال تقديره برب السماء . وقد بينا ما فى ذلك فى غير موضع . ثم وصف السماء بأنها ذات البروج . فالبروج المنازل العالية . والمراد - ها هنا - منازل الشمس والقمر - في قول المفسرين - ومثل ذلك قوله { ولو كنتم في بروج مشيدة } أى فى منازل عالية . وقيل : السماء اثنى عشر برجاً يسير القمر فى كل برج منها يومين وثلثاً ، فذلك ثمانية وعشرون منزلا . ثم يستتر ليلتين ، ومسير الشمس فى كل برج منها شهر . وقيل : البروج النجوم التي هي منازل الشمس والقمر . وقوله { واليوم الموعود } قسم آخر بهذا اليوم . وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه اليوم الذى يجازى فيه ويفصل فيه القضاء ، وهو يوم القيامة - وهو قول الحسن وقتادة وابن زيذ - . قوله { وشاهد ومشهود } قسم آخر بالشاهد والمشهود ، فالشاهد النبي صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة - في قول الحسن بن علي عليه السلام وتلا قوله { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } وقال { ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب ، وفي رواية اخرى عن ابن عباس إن الشاهد هو الله ، والمشهود يوم القيامة . وقال قتادة : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة . وقال الجبائي : الشاهد هم الذين يشهدون على الخلائق ، والمشهود هم الذين يشهدون عليهم ، قال : ويجوز أن يكون المراد المدركين والمدركات . وجواب القسم محذوف ، وتقديره الأمر حق فى الجزاء على الاعمال . وقيل الجواب قوله { قتل أصحاب الأخدود } وقال الأخفش : يجوز أن يكون على التقديم والتأخير ، وتقديره { قتل أصحاب الأخدود … والسماء ذات البروج } وقوله { قتل أصحاب الأخدود } معناه لعن . وقيل لعنوا بتحريقهم فى الدنيا قبل الآخرة . وقال الجبائي : يحتمل أن يكون المعنى بذلك القاتلين ، ويحتمل أن يكون المقتولين ، فاذا حمل على القاتلين ، فمعناه لعنوا بما فعلوه من قتل المؤمنين وإن حمل على المقتولين ، فالمعنى انهم قتلوا بالاحراق بالنار . وذكر الله هؤلاء . المؤمنين بحسن بصيرتهم فى الصبر على دينهم حتى أحرقوا بالنار ، لا يعطون التقية بالرجوع عن الايمان . والاخدود هو الشق العظيم في الارض ، ومنه ما روي في معجزة النبي صلى الله عليه وآله أن الشجرة دعاها النبي صلى الله عليه وآله فجعلت تخد الأرض خداً ، حتى اتته . ومنه الخد لمجاري الدموع . والمخدة لوضع الخد عليها ، وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق . وقوله { النار ذات الوقود } فجرّ النار على البدل من الاخدود ، وهو بدل الاشتمال ، ووصفها بأنها ذات الوقود ، فالوقود - بفتح الواو - ما يشعل من الحطب وغيره - وبضم الواو - الايقاد . وإنما وصفها بأنها ذات الوقود مع ان كل نار ذات وقود لامرين : أحدهما - انه قد يكون نار ليست ذات وقود كنار الحجر ونار الكبد . والثاني - انه أراد بذلك وقوداً مخصوصاً ، لانه معروف ، فكأنه أراد الوقود بأبدان الناس ، كما قال { وقودها الناس والحجارة } وقوله { إذ هم عليها قعود } أي حين هم قعود عليها أي بالقرب منها ، وقال الربيع بن أنس : الكفار الذين كانوا قعوداً على النار خرج لسان منها فأحرقهم عن آخرهم . وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ( أنهم كانوا من المجوس ) وقال الضحاك : كانوا من بني إسرائيل . وقيل : كانوا من اليمين . ومعناه هم عليها قعود حين كان أولئك الكفار قعوداً عند النار . والقعود جمع قاعد كقولك : شاهد وشهود ، وراكع وركوع ، والقعود أيضاً مصدر قعد يقعد قعوداً . وقوله { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } أي حضور على مشاهدتهم لهم ، فكل حاضر على ما شاهده إما بسمع أو بصر ، فهو شاهد . والمشاهد هو المدرك بحاسة . وقوله { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } معناه انه لم ينقم هؤلاء الكفار من أولئك المؤمنين الذين أحرقوهم بالنار إلا لايمانهم بالله تعالى القاهر الذى لا يُقهر { الحميد } فى جميع أفعاله ، فالنقمة ايجاب مضرة على حال مذمومة . ونقيض النقمة النعمة ، فهؤلاء الجهال نقموا حال الايمان ، لانهم جعلوها بجهلهم حالا مذمومة قال الشاعر : @ ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا @@ والداعي لهم إلى ان ينقموا من الايمان الجهل والخلاف ، لأن ما سبقوا اليه من الجهل يدعوهم إلى عداوة من خالفهم وسخف آرائهم ، وإن ذلك يفسد عليهم ملكهم . ويصرف الوجوه عنهم . وقوله { الذي له ملك السماوات والأرض } صفة { العزيز الحميد } والمعنى إن هؤلاء الكفار نقموا من المؤمنين إيمانهم بالله تعالى العزيز ، ومعناه القاهر الذي لا يغالب الحميد ومعناه المستحق للحمد على جميع أفعاله { الذي له ملك السماوات والأرض } ومعناه له التصرف فى السموات والارض ولا اعتراض لاحد عليه . ثم قال { والله على كل شيء شهيد } أي عالم بجميعه لا يخفى عليه شيء من ذلك . وقوله { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } قال ابن عباس وقتادة والضحاك : حرقوهم بالنار { ثم لم يتوبوا } إنما شرط عدم التوبة ، لانهم لو تابوا لما توجه اليهم الوعيد ، وإن لم يتوبوا توجه اليهم الوعيد بقوله { فلهم عذاب جهنم } يعني في الآخرة { ولهم عذاب الحريق } في الدنيا - في قول الربيع - قال الفراء : لما خدّدوا للمؤمنين الاخاديد وطرحوا فيها النار وطرحوا فيها المؤمنين أرتفعت النار عليهم ، فاحرقتهم فرق الاخاديد ونجا المؤمنون . وقال قوم { إن الذين فتنوا المؤمنين } جواب القسم في أول السورة ، وهذا غير صحيح ، لان الكلام قد طال وانقطع بالاخبار ما بينها ، وقال الزجاج : لهم عذاب بكفرهم ، وعذاب باحراقهم المؤمنين .