Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر { لبداً } بتشديد الباء . الباقون بالتخفيف ، قوله { لا أقسم } معناه أقسم ، ولا صلة ، كما قال الشاعر : @ ولا ألوم البيض ان لا تسخرا @@ أي ان تسخر . وقيل : هي رداً لكلام على طريق الجواب ، لمن قد ظهر منه الخلاف أى ليس الامر على ما يتوهم . وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى . فاذا أثبت انه اقسم ، فلا ينافي قوله { وهذا البلد الأمين } لأن هذا قسم آخر مثله . وإنما يكون مناقضة لو أراد نفي القسم بقوله { لا أقسم } فأما إذا كان الامر على ما بيناه فلا تنافي بينهما . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : يعني بالبلد مكة . وقوله { وأنت حل بهذا البلد } فمعناه في قول ابن عباس أنه حلال لك به قتل من رأيت حين أمر بالقتال ، فقتل ابن حنظل صبراً ، وهو آخذ باستار الكعبة ولم يحل لأحد بعده . وبه قال مجاهد وابن زيد والضحاك . وقال عطاء : لم يحل إلا لنبيكم ساعة من النهار . وقال الحسن : معناه وأنت فيه محسن وأنا عنك راض . وقيل : معناه أنت حل بهذا البلد أي انت فيه مقيم ، وهو محلل . والمعنى بذلك التنبيه على شرف البلد بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى تعظيم الله وإخلاص عبادته المبشر بالثواب والمنذر بالعقاب ، ويقال : رجل حل أي حلال وقالوا : حل معناه حال . أي ساكن . وقوله { ووالد وما ولد } قسم آخر بالوالد وما ولد ، قال ابن عباس وعكرمة : المعني بذلك كل والد وما ولد يعني العاقل . وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسفيان وابو صالح : يعني آدم وولده . وقال ابو عمران الحوبي : يعني به إبراهيم عليه السلام وولده . وقوله { لقد خلقنا الإنسان في كبد } جواب القسم ، ومعنى كبد قال ابن عباس والحسن : فى شدة . وقال قتادة : معناه يكابد الدنيا والآخرة . قال مجاهد وابو صالح وإبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد : معناه في إنتصاب قامة ، فكأنه في شدة قوام مخصوص بذلك من سائر الحيوان ، قال لبيد : @ يا عين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد @@ أي في شدة نصب ، فالكَبد في اللغة شدة الأمر يقال : تكبد اللبن إذا غلظ واشتد ، ومنه الكبد ، كأنه دم يغلظ ويشتد ، وتكبد الدم إذا صار كالكبد ، والانسان مخلوق في شدة أمر بكونه في الرحم . ثم في القماط والرباط . ثم على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف ، فينبغي له أن يعلم ان الدنيا دار كدّ ومشقة ، وأن الجنة هي دار الراحة والنعمة . وقوله { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } معناه أيظن هذا الانسان أن لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى وارتكب معاصيه فبئس الظن ذلك . وقيل : إنها نزلت في رجل يقال له أبو الاسدين كان من القوة بحيث يقف على أديم عكاظي فيجري العسرة من تحته ، فتنقطع ولا يبرح من عليه فقال الله تعالى { أيحسب } لشدته وقوته { أن لن يقدر عليه أحد } ثم حكى ما يقول هذا الانسان من قوله { أهلكت مالاً لبداً } قال الحسن : معناه يقول أهلكت مالا كثيراً ، فمن يحاسبني عليه ، حميق ألم يعلم ان الله قادر على محاسبته ، اللبد الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض ، ومنه تلبد القطن والصوف إذا تراكب بعضه على بعض ، وكذلك الشعر ومنه اللبد ومن قرأ { لبداً } بتشديد الباء ، فهو جمع لابد . وقوله { أيحسب أن لم يره أحد } ايظن هذا الانسان انه لم يبصره أحد فيطالبه من اين كسب هذا المال ، وفي أي شيء أنفقه - ذكره قتادة - وقيل : معنا ايظن أن لم يره أحد في انفاقه ، لانه كاذب . وقال الحسن : يقول : أنفقت مالا كثيراً فمن يحاسبني عليه . وقيل الآيه نزلت في رجل من بني جمح يكنى أبا الاسدين ، وكان قوياً شديداً . ثم نبهه تعالى على وجوه النعمة التى أنعم بها عليه ليستدل بها على توحيده وخلع الأنداد دونه بقوله { ألم نجعل له عينين } ليبصر بهما { ولساناً وشفتين } لينطق بهما { وهديناه النجدين } ليستدل بهما . وفي ذلك دليل واضح على أنه صادر من مختار لهذه الافعال التي فعلها بهذه الوجوه ، فأحكمها لهذه الامور ، فالمحكم المتقن لا يكون إلا من عالم ، وتعليقه بالمعاني لا يكون إلا من مختار ، لانه لا يعلق الفعل بالمعاني إلا في الارادة . وقال ابن مسعود : وابن عباس : معنى هديناه النجدين : نجد الخير والشر ، وبه قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة ، وفي رواية عن ابن عباس أنهما الثديان ، والنجدان الطريقان للخير والشر . وأصل النجد للعلو ونجد بلد سمي نجد العلوة عن انجفاض تهامة ، وكل عال من الارض نجد ، والجمع نجود ، ورجل نجد بين النجدة إذا كان جلداً قوياً ، لاستعلائه على قوته ، واستنجدت فلاناً فانجدني أي استعنته على خصمي فأعانني ، والنجد الكرب والغم ، والنجاد ما على العاتق من حمالة السيف ، وشبه طريق الخير والشر بالطريقين العاليين لظهوره فيهما .